البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٦٢
لسعيك. وقال صاحب اللوامح : فأما من قال هَيْهاتَ فرفع ونون احتمل أن يكونا اسمين متمكنين مرتفعين بالابتداء وما بعدهما خبرهما من حروف الجر بمعنى البعد لِما تُوعَدُونَ والتكرار للتأكيد، ويجوز أن يكونا اسمين للفعل والضم للبناء مثل حوب في زجر الإبل لكنه نون لكونه نكرة انتهى. وقرأ ابن أبي عبلة هَيْهاتَ هَيْهاتَ ما تُوعَدُونَ بغير لام وتكون ما فاعلة بهيهات. وهي قراءة واضحة.
وقالوا إِنْ هِيَ هذا الضمير يفسره سياق الكلام لأنهم قبل أنكروا المعاد فقالوا أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ الآية فاستفهموا استفهام استبعاد وتوقيف واستهزاء، فتضمن أن لا حياة إلّا حياتهم. وقال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه، وأصله أن الحياة إِلَّا حَياتُنَا الدنيا ثم وضع هِيَ موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبينها، ومنه هي النفس تتحمل ما حملت وهي العرب تقول : ما شاءت، والمعنى لا حياة إلّا هذه الحياة الدنيا لأن إِنْ الثانية دخلت على هِيَ التي هي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت لا التي نفت ما بعدها نفي الجنس.
نَمُوتُ وَنَحْيا أي يموت بعض ويولد بعض ينقرض قرن ويأتي قرن انتهى، ثم أكدوا ما حصروه من أن لا حياة إلّا حياتهم وحرموا بانتفاء بعثهم من قبورهم للجزاء وهذا هو كفر الدهرية، ثم نسبوه إلى افتراء الكذب على اللّه في أنه نبأه وأرسله إلينا وأخبره أنا نبعث وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ أي بمصدّقين، ولما أيس من إيمانهم ورأى إصرارهم على الكفر دعا عليهم وطلب عقوبتهم على تكذيبهم قالَ : عَمَّا قَلِيلٍ أي عن زمن قليل، وما توكيد للقلة وقليل صفة لزمن محذوف وفي معناه قريب. قيل : أي بعد الموت تصيرون نادمين.
وقيل عَمَّا قَلِيلٍ أي وقت نزول العذاب في الدنيا ظهور علاماته والندامة على ترك قبول ما جاءهم به رسولهم حيث لا ينفع الرجوع، واللام في لَيُصْبِحُنَّ لام القسم وعَمَّا قَلِيلٍ متعلق بما بعد اللام إما بيصبحن وإما بنادمين، وجاز ذلك لأنه جار ومجرور ويتسامح في المجرورات والظروف ما لا يتسامح في غيرها، ألا ترى أنه لو كان مفعولا به لم يجز تقديمه لو قلت : لأضربن زيدا لم يجز زيدا لأضربن، وهذا الذي قررناه من أن عَمَّا قَلِيلٍ يتعلق بما بعد لام القسم هو قول بعض أصحابنا وجمهورهم على أن لام القسم لا يتقدم شيء من معمولات ما بعدها عليها سواء كان ظرفا أو مجرورا أو غيرهما، فعلى قول هو لا يكون عَمَّا قَلِيلٍ يتعلق بمحذوف يدل عليه ما قبله تقديره عَمَّا قَلِيلٍ تنصر لأن قبله قال رَبِّ انْصُرْنِي. وذهب الفراء وأبو عبيدة إلى جواز تقديم معمول ما بعد هذه


الصفحة التالية
Icon