البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٦٥
وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «١» ويجوز أن يراد بسلطان مبين الآيات أنفسها أي هي آيات وحجة بينة فَاسْتَكْبَرُوا عن الإيمان بموسى وأخيه نفة.
قَوْماً عالِينَ أي رفيعي الحال في الدنيا أي متطاولين على الناس قاهرين بالظلم، أو متكبرين كقوله إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ «٢» أي وكان من شأنهم التكبر. والبشر يطلق على المفرد والجمع كقوله فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً «٣» ولما أطلق على الواحد جازت تثنيته فلذلك جاء لِبَشَرَيْنِ ومثل يوصف به المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ولا يؤنث، وقد يطابق تثنية وجمعا وقَوْمُهُما أي بنو إسرائيل لَنا عابِدُونَ أي خاضعون فتذللون، أو لأنه كان يدّعي الإلهية فادّعى الناس العبادة، وإن طاعتهم له عبادة على الحقيقة. وقال أبو عبيد : العرب تسمي كل من دان للملك عابدا، ولما كان ذلك الإهلاك كالمعلول للتكذيب أعقبه بالفاء أي فكانوا ممن حكم عليهم بالغرق إذ لم يحصل الغرق عقيب التكذيب.
مُوسَى الْكِتابَ أي قوم موسى والْكِتابَ التوراة، ولذلك عاد الضمير على ذلك المحذوف في قوله لَعَلَّهُمْ ولا يصح عود هذا الضمير في لَعَلَّهُمْ على فرعون وقومه لأن الْكِتابَ لم يؤته موسى إلا بعد هلاك فرعون لقوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى «٤» لَعَلَّهُمْ ترج بالنسبة إليهم لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ لشرائعها ومواعظها.
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ أي قصتهما وهي آيَةً عظمى بمجموعها وهي آيات مع التفصيل، ويحتمل أن يكون حذف من الأول آية لدلالة الثاني أي وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية. والربوة هنا. قال ابن عباس وابن المسيب : الغوطة بدمشق، وصفتها أنها ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ على الكمال. وقال أبو هريرة : رملة فلسطين. وقال قتادة وكعب : بيت المقدس، وزعم أن في التوراة أن بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء، وأنه يزيد على أعلى الأرض ثمانية عشر ميلا. وقال ابن زيد ووهب : الربوة بأرض مصر، وسبب هذا الإيواء أن ملك ذلك الزمان عزم على قتل عيسى ففرت به أمه إلى أحد هذه الأماكن التي ذكرها المفسرون. وقرأ الجمهور رَبْوَةٍ بضم الراء وهي لغة قريش، والحسن وأبو عبد الرحمن وعاصم وابن عامر بفتحها، وأبو إسحاق السبيعي بكسرها وابن أبي إسحاق رباوة بضم الراء
(٢) سورة القصص : ٤٨/ ٤.
(٣) سورة مريم : ١٩/ ٢٦.
(٤) سورة القصص : ٢٨/ ٤٣.