البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٧٠
سارعوا في نيلها وتعجلوها، وهذا الوجه أحسن طباقا للآية المتقدمة لأن فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين انتهى. وقرأ الحر النحوي : يسرعون مضارع أسرع، يقال أسرعت إلى الشيء وسرعت إليه بمعنى واحد، وأما المسارعة فالمسابقة أي يسارعون غيرهم. قال الزجّاج يُسارِعُونَ أبلغ من يسرعون انتهى. وجهة المبالغة أن المفاعلة تكون من اثنين فتقتضي حث النفس على السبق لأن من عارضك في شيء تشتهي أن تغلبه فيه.
وَهُمْ لَها سابِقُونَ الظاهر أن الضمير في لَها عائد على الْخَيْراتِ أي سابقون إليها تقول : سبقت لكذا وسبقت إلى كذا، ومفعول سابِقُونَ محذوف أي سابقون الناس، وتكون الجملة تأكيدا للتي قبلها مفيدة تجدد الفعل بقوله يُسارِعُونَ وثبوته بقوله سابِقُونَ وقيل اللام للتعليل أي لأجلها سابقون الناس إلى رضا اللّه. وقال الزمخشري لَها سابِقُونَ أي فاعلون السبق لأجلها، أو سابقون الناس لأجلها انتهى.
وهذان القولان عندي واحد. قال أيضا أو إياها سابقون أي ينالوها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا انتهى. ولا يدل لفظ لَها سابِقُونَ على هذا التفسير لأن سبق الشيء الشيء يدل على تقدم السابق على المسبوق، فكيف يقال لهم وهم يسبقون الخيرات هذا لا يصح. وقال أيضا : ويجوز أن كون لَها سابِقُونَ خبرا بعد خبر ومعنى وهم لها كمعنى قوله أنت لها انتهى. وهذا مروي عن ابن عباس. قال : المعنى سبقت لهم السعادة في الأزل فهم لها، ورجحه الطبري بأن اللام متمكنة في المعنى انتهى. والظاهر القول الأول وباقيها متعسف وتحميل للفظ غير ظاهره. وقيل : الضمير في لَها عائد على الجنة.
وقيل : على الأمم.
وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في آخر البقرة وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ أي كتاب فيه إحصاء أعمال الخلق يشير إلى الصحف التي يقرؤون فيها ما ثبت لهم في اللوح المحفوظ. وقيل : القرآن.
بَلْ قُلُوبُهُمْ أي قلوب الكفار في ضلال قد غمرها كما يغمر الماء مِنْ هذا أي من هذا العمل الذي وصف به المؤمنون أو من الكتاب الذي لدينا أو من القرآن، والمعنى من اطراح هذا وتركه أو يشير إلى الدين بجملته أو إلى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أقوال خمسة وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي من دون الغمرة والضلال المحيط بهم، فالمعنى أنهم ضالون معرضون عن الحق، وهم مع ذلك لهم سعايات فساد وصفهم تعالى بحالتي شر قال هذا المعنى قتادة وأبو العالية، وعلى هذا التأويل الإخبار عما سلف من أعمالهم وعماهم فيه.