البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٧٤
على صفات له صلّى اللّه عليه وسلّم طرقت آذان قريش فلم تنكر منها شيئا أي قد سبقت معرفتهم له جملة وتفصيلا، فلا يمكن إنكار شيء من أوصافه.
ثم وبخهم رابعا بأنهم نسبوه إلى الجن وقد علموا أنه أرجحهم عقلا وأثقبهم ذهنا، وأن الفرق بين الحكمة وفصل الخطاب الذي جاء به وبين كلام ذي الجنة غير خاف على من له مسكة من عقل، وهذه التوبيخات الأربع كان يقتضي ما وبخوا به منها أن يكون سببا لانقيادهم إلى الحق لأن التدبير لما جاء به والنظر في سير الماضين وإرسال الرسل إليهم ومعرفة الرسول ذاتا وأوصافا وبراءته من الجنون هاد لمن وفقه اللّه للهداية، ولكنه جاءهم بما حال بينهم وبين أهوائهم ولم يوافق ما نشؤوا عليه من اتباع الباطل، ولما لم يجدوا له مدفعا لأنه الحق عاملوا بالبهت وعولوا على الكذب من النسبة إلى الجنون والسحر والشعر.
بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ أي بالقرآن المشتمل على التوحيد وما به النجاة في الآخرة والسؤدد في الدنيا.
وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ يدل على أن فيهم من لا يكره الحق وذلك من يترك الإيمان أنفة واستكبارا من توبيخ قومه أن يقولوا : صبأ وترك دين آبائه وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ قرأ ابن وثاب وَلَوِ اتَّبَعَ بضم الواو والظاهر أنه الْحَقُّ الذي ذكر قبل في قولهم بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ أي لو كان ما جاء به الرسول من الإسلام والتوحيد متبعا أهواءهم لا نقلب شرا وجاء اللّه بالقيامة وأهلك العالمو لم يؤخر قال معناه الزمخشري وبعضه بلفظه. وقال أيضا : دل بهذا على عظم شأن الحق، فلو اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لانقلب باطلا ولذهب ما يقوم به العالم فلا يبقى له بعده قوام. وقيل : لو كان ما جاء به الرسول بحكم هوى هؤلاء من اتخاذ شريك للّه وولد وكان ذلك حقا لم يكن للّه الصفات العلية ولم تكن له القدرة كما هي، وكان في ذلك فساد السموات والأرض. وقيل : كانوا يرون الحق في اتخاذ الآلهة مع اللّه لكنه لو صح ذلك لوقع الفساد في السموات والأرض على ما قرر في دليل التمانع في قوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا «١» وقيل : كانت آراؤهم متناقصة فلو اتبع الحق أهواءهم لوقع التناقض واختل نظام العالم. وقال قتادة الْحَقُّ هنا اللّه تعالى.
فقال الزمخشري : معناه ولو كان اللّه يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك والمعاصي لما كان إلها ولما قدر على أن يمسك السموات والأرض. وقال ابن عطية : ومن قال إن الْحَقُ