البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٨١
علمهم بذلك، وقد يقال مثل ذلك في الاحتجاج على وجه التأكيد لعلمهم، وختم كل سؤال بما يناسبه فختم ملك الأرض ومن فيها حقيق أن لا يشرك به بعض خلقه ممن في الأرض ملكا له الربوبية وختم ما بعدها بالتقوى وهي أبلغ من التذكر وفيها وعيد شديد أي أفلا تخافونه فلا تشركوا به. وختم ما بعد هذه بقوله فَأَنَّى تُسْحَرُونَ مبالغة في التوبيخ بعد إقرارهم والتزامهم ما يقع عليهم به في الاحتجاج وأنى بمعنى كيف قرر أنهم مسحورون وسألهم عن الهيئة التي سحروا بها أي كيف تخدعون عن توحيده وطاعته، والسحر هنا مستعار وهو تشبيه لما يقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك.
وقرىء بل آتيتهم بتاء المتكلم، وابن أبي إسحاق بتاء الخطاب وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما ينسبون إلى اللّه تعالى من اتخاذ الولد ومن الشركاء وغير ذلك مما هم فيه كاذبون. ثم نفى اتخاذ الولد وهو نفي استحالة ونفي الشريك بقوله وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ أي وما كان معه شريك في خلق العالم واختراعهم ولا في غير ذلك مما يليق به من الصفات العلى، فنفى الولد تنبيه على من قال : الملائكة بنات اللّه، ونفي الشريك في الألوهية تنبيه على من قال : الأصنام آلهة، ويحتمل أن يراد به إبطال قول النصارى والثنوية ومِنْ وَلَدٍ ومِنْ إِلهٍ نفي عام يفيد استغراق الجنس، ولهذا جاء إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ ولم يأت التركيب إذا لذهب الإله. ومعنى لَذَهَبَ أي لا نفرد كُلُّ إِلهٍ بخلقه الذي خلق واستبد به وتميز ملك كل واحد عن ملك الآخر وغلب بعضهم بعضا كحال ملوك الدنيا، وإذا لم يقع الانفراد والتغالب فاعلموا أنه إله واحد وإذا لم يتقدمه في اللفظ شرط ولا سؤال سائل ولا عدة قالو : فالشرط محذوف تقديره، ولو كان معه آلهة وإنما حذف لدلالة قوله وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ عليه وهذا قول الفراء. زعم أنه إذا جاء بعدها اللام كانت لو وما دخلت عليه محذوفة وقد قررنا تخريجا لها على غير هذا في قوله وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا «١» في سورة الإسراء : والظاهر أن ما في بِما خَلَقَ بمعنى الذي وجوز أن تكون مصدرية.
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ تنزيه عن الولد والشريك. وقرىء عما تصفون بتاء الخطاب. وقرأ الابنان وأبو عمرو وحفص عالِمِ بالجر. قال الزمخشري : صفة للّه. وقال ابن عطية : اتباع للمكتوبة. وقرأ باقي السبعة وابن أبي عبلة وأبو حيوة وأبو بحرية بالرفع.

(١) سورة الإسراء : ١٧/ ٧٣.


الصفحة التالية
Icon