البحر المحيط، ج ٧، ص : ٧٤
وقيل : أهل مكة بشره اللّه تعالى أنه يغلبهم ويظهر عليهم، وأَحاطَ بمعنى يحيط عبر عن المستقبل بالماضي لأنه واقع لا محالة، والوقت الذي وقعت فيه الإحاطة بهم. قيل يوم بدر. وقال العسكري : هذا خبر غيب قدمه قبل وقته، ويجوز أن يكون ذلك في أمر الخندق ومجيء الأحزاب يطلبون ثأرهم ببدر فصرفهم اللّه بغيظهم لم ينالوا خيرا. وقيل : يوم بدر ويوم الفتح. وقيل : الأشبه أنه يوم الفتح فإنه اليوم الذي أحاط أمر اللّه بإهلاك أهل مكة فيه وأمكن منهم. وقال الطبري : أَحاطَ بِالنَّاسِ في منعك يا محمد وحياطتك وحفظك، فالآية إخبار له أنه محفوظ من الكفرة أمن أن يقتل وينال بمكروه عظيم، أي فلتبلغ رسالة ربك ولا تتهيب أحدا من المخلوقين. قال ابن عطية : وهذا تأويل بين جار مع اللفظ. وقد روي نحوه عن الحسن والسدّي إلّا أنه لا يناسب ما بعده مناسبة شديدة، ويحتمل أن يجعل الكلام مناسبا لما بعده توطئة له.
فأقول : اختلف الناس في الرُّؤْيَا.
فقال الجمهور هي رؤيا عين ويقظة وهي ما رأى في ليلة الإسراء من العجائب قال الكفار : إن هذا لعجب نخبّ إلى بيت المقدس شهرين إقبالا وإدبارا ويقول محمد جاءه من ليلته وانصرف منه، فافتتن بهذا التلبيس قوم من ضعفاء المسلمين فارتدوا وشق ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت هذه الآية
فعلى هذا يحسن أن يكون معنى قوله وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ أي في إضلالهم وهدايتهم، وإن كل واحد ميسر لما خلق له أي فلا تهتم أنت بكفر من كفر ولا تحزن عليهم فقد قيل لك إن اللّه محيط بهم مالك لأمرهم وهو جعل رؤياك هذه فتنة ليكفر من سبق عليه الكفر، وسميت الرؤية في هذا التأويل رؤيا إذ هما مصدران من رأى. وقال النقاش : جاء ذلك من اعتقاد من اعتقد أنها منامية وإن كانت الحقيقة غير ذلك انتهى. وعن ابن عباس والحسن ومجاهد وغيرهم : هو قصة الإسراء والمعراج عيانا آمن به الموفقون وكفر به المخذولون، وسماه رؤيا لوقوعه في الليل وسرعة تقضيه كأنه منام. وعن ابن عباس أيضا هو رؤياه أنه يدخل مكة فعجل في سنته الحديبية ورد فافتتن الناس، وهذا مناسب لصدر الآية فإن الإحاطة بمكة أكثر ما كانت. وعن سهل بن سعد : هي رؤياه بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فاهتم لذلك وما استجمع ضاحكا من يومئذ حتى مات، فنزلت الآية مخبرة أن ذلك من ملكهم وصعودهم المنابر إنما يجعلها اللّه فتنة للناس. ويجيء قوله أَحاطَ بِالنَّاسِ أي بأقداره وإن كان ما قدّره اللّه فلا تهتم بما يكون بعدك من ذلك.
وقال الحسن بن عليّ في خطبته في شأن بيعته لمعاوية : وإن أدري لعله فتنة لكم