البحر المحيط، ج ٧، ص : ٧٨
أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ لم كرّمته عليّ وقد خلقتني من نار وخلقته من طين، وحذف هذا لما في الكلام من الدليل عليه. وقال الزمخشري : الكاف للخطاب وهذَا مفعول به، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ أي فضلته لم كرمته عليّ وأنا خير منه، فاختصر الكلام بحذف ذلك ثم ابتدأ فقال : لَئِنْ أَخَّرْتَنِ. وقال ابن عطية :
والكاف في أَرَأَيْتَكَ حرف خطاب ومبالغة في التنبيه لا موضع لها من الإعراب فهي زائدة، ومعنى أرأيت أتأملت ونحوه كان المخاطب بها ينبه المخاطب ليستجمع لما ينصه عليه بعد. وقال سيبويه : هي بمعنى أخبرني ومثل بقوله أَرَأَيْتَكَ زيدا أيؤمن هو. وقاله الزجاج ولم يمثل، وقول سيبويه صحيح حيث يكون بعدها استفهام كمثاله، وأما في هذه الآية فهي كما قلت وليست التي ذكر سيبويه رحمه اللّه انتهى. وما ذهب إليه الحوفي والزمخشري في أَرَأَيْتَكَ هنا هو الصحيح، ولذلك قدر الاستفهام وهو لم كرمته عليّ فقد انعقد من قوله هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لم كرمته عليّ جملة من مبتدأ وخبر، وصار مثل :
زيد أيؤمن هو دخلت عليه أَرَأَيْتَكَ فعملت في الأول، والجملة الاستفهامية في موضع الثاني والمستقر في أرأيت بمعنى أخبرني أن تدخل على جملة ابتدائية يكون الخبر استفهاما، فإن صرح به فذلك واضح وإلّا قدر. وقد أشبعنا الكلام في الأنعام وفي شرح التسهيل.
وقال الفراء : هنا للكاف محل من الإعراب وهو النصب أي أرأيت نفسك قال : وهذا كما تقول أتدبرت آخر أمرك. فإني صانع فيه كذا، ثم ابتدأ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ انتهى. والرد عليه مذكور في علم النحو، ولو ذهب ذاهب إلى أن هذا مفعول أول لقوله :
أَرَأَيْتَكَ بمعنى أخبرني والثاني الجملة القسمية بعده لانعقادهما مبتدأ وخبرا قبل دخول أَرَأَيْتَكَ لذهب مذهبا حسنا، إذ لا يكون في الكلام إضمار، وتلخص من هذا كله الكاف إما في موضع نصب وهذا مبتدأ، وإما حرف خطاب وهذا مفعول بأرأيت بمعنى محذوف، وهو الجملة الاستفهامية أو مذكور وهو الجملة القسمية، ومعنى لَئِنْ أَخَّرْتَنِ أي أخرت مماتي وأبقيتني حيا.
وقال ابن عباس : لَأَحْتَنِكَنَّ لأستولين عليهم وقاله الفراء. وقال ابن زيد لأضلنهم.
وقال الطبري : لأستأصلن وكفر إبليس بجهله صفة العدل من اللّه حين لحقته الأنفة والكبر، وظهر ذلك في قوله أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ إذ نص على أنه لا ينبغي أن يكرم بالسجود مني من أنا خير منه، وأقسم إبليس على أنه يحتنك ذرية آدم وعلم ذلك إما بسماعه