البحر المحيط، ج ٧، ص : ٨٥
محمد بن كعب بجعل محمد عليه الصلاة والسلام منهم. وعن ابن جرير بالتسليط على غيره من الخلق وتسخيره له. وقيل : بالخط. وقيل : باللحية للرجل والذؤابة للمرأة. وعن ابن عباس : بأكله بيده وغيره بفمه. وقيل : بتدبير المعاش والمعاد. وقيل : بخلق اللّه آدم بيده. قال ابن عطية : وقد ذكر أن من الحيوان ما يفضل بنوع ما ابن آدم كجري الفرس وسمعه وإبصاره، وقوة الفيل، وشجاعة الأسد، وكرم الديك. قال : وإنما التكريم والتفضيل بالعقل الذي يملك به الحيوان كله وبه يعرف اللّه ويفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه انتهى.
وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وهذا أيضا من تكريمهم. قال ابن عباس : في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل، وفي البحر على السفن. وقال غيره : على أكباد رطبة وأعواد يابسة. والطَّيِّباتِ كما تقدم الحلال أو المستلذ ولا يتسع غيره من الحيوان في الرزق اتساعه لأنه يكتسب المال ويلبس الثياب ويأكل المركب من الأطعمة بخلاف الحيوان، فإنه لا يكتسب ولا يلبس ولا يأكل غالبا إلا لحما نيئا وطعاما غير مركب، والظاهر أن كثيرا باق على حقيقته، فقالت طائفة : فضلوا على الخلائق كلهم غير جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وأشباههم وهذا عن ابن عباس. وعنه إن الإنسان ليس أفضل من الملك وهو اختيار الزجّاج. وقال ابن عطية : والحيوان والجن هو الكثير المفضول والملائكة هم الخارجون عن الكثير المفضول. وقالت فرقة : الآية تقضي بفضل الملائكة على الإنس من حيث هم المستثنون، وقد قال تعالى لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
«١» وهذا غير لازم من الآية، بل التفضيل بين الإنس والجن لم تعن له الآية بل يحتمل أن الملائكة أفضل ويحتمل التساوي، وإنما يصح تفضيل الملائكة من مواضع أخر من الشرع انتهى.
وقال الزمخشري : عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا هو ما سوى الملائكة عليهم الصلاة والسلام، وحسب بني آدم تَفْضِيلًا أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم ومنزلتهم عند اللّه منزلتهم، والعجب من المجبرة كيف عكسوا في كل شيء وكابروا حتى جسرتهم المكابرة على العظيمة التي هي تفضيل الإنسان على الملك، ثم ذكر تشنيعا أقذع فيه يوقف عليه من كتابه. وقيل : وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ بالغلبة والاستيلاء. وقيل : بالثواب والجزاء يوم القيامة، وعلى هذين القولين لم تتعرض الآية للتفضيل المختلف فيه بين الإنس والملائكة.