البحر المحيط، ج ٧، ص : ٨٩
فليس يتم إلا في قولنا من كذا فهو إذن ليس بآخر، ويقوي هذا التأويل عطف وَأَضَلُّ سَبِيلًا لأن الإنسان في الدنيا يمكن أن يؤمن فينجو وهو في الآخرة لا يمكنه ذلك فهو أَضَلُّ سَبِيلًا وأشدّ حيرة وأقرب إلى العذاب، وأَعْمى هنا من عمى القلب لا من عمى البصر لأن ذلك يقع فيه التفاضل لا هذا.
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا.
الضمير في وَإِنْ كادُوا قيل لقريش. وقيل لثقيف، وذكروا أسباب نزول مختلفة وفي بعضها ما لا يصح نسبته إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ويوقف على ذلك في تفسير ابن عطية والزمخشري والتحرير وغير ذلك، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما عدد نعمه على بني آدم ثم ذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين لأهل السعادة، ومن عمى أهل الشقاوة أتبع ذلك بما يهم به الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع والتلبيس على سيد أهل السعادة المقطوع له بالعصمة، ومعنى لَيَفْتِنُونَكَ ليخدعونك وذلك في ظنهم لا أنهم قاربوا ذلك إذ هو معصوم عليه السلام أن يقاربوا فتنته عما أوحى اللّه إليه، وتلك المقاربة في زعمهم سببها رجاؤهم أن يفتري على اللّه غير ما أوحى اللّه إليه من تبديل الوعد وعيدا أو الوعيد وعدا، وما اقترحته ثقيف من أن يضيف إلى اللّه ما لم ينزل عليه وإِنْ هذه هي المخففة من الثقيلة، وليتها الجملة الفعلية وهي كادُوا لأنها من أفعال المقاربة وإنما تدخل على مذهب البصريين من الأفعال على النواسخ التي للإثبات على ما تقرر في علم النحو، واللام في لَيَفْتِنُونَكَ هي الفارقة بين أن هذه وأن النافية وَإِذاً حرف جواب وجزاء، ويقدر قسم هنا تكون لَاتَّخَذُوكَ جوابا له، والتقدير واللّه إِذاً أي إن افتتنت وافتريت لَاتَّخَذُوكَ ولا اتخذوك في معنى ليتخذونك كقوله وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا «١» أي ليظلنّ لأن إِذاً تقتضي الاستقبال لأنها من حيث المعنى جزءا فيقدر موضعها بأداة الشرط.
وقال الزمخشري : وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ أي ولو اتبعت مرادهم لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا