البحر المحيط، ج ٨، ص : ١٤٧
ترادف من حيث الإعراب حينئذ. وقال الزمخشري : فإن قلت : إذا جواب وجزاء معا، والكلام وقع جوابا لفرعون، فكيف وقع جزاء؟ قلت : قول فرعون : وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ فيه معنى : إنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى : نعم فعلتها، مجازيا لك تسليما لقوله، كأن نعمته كانت عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء. انتهى. وهذا الذي ذكره من أن إذا جواب وجزاء معا، هو قول سيبويه، لكن الشراح فهموا أنها قد تكون جوابا وجزاء معا، وقد تكون جوابا فقط دون جزاء. فالمعنى اللازم لها هو الجواب، وقد يكون مع ذلك جزاء. وحملوا قوله : فَعَلْتُها إِذاً من المواضع التي جاءت فيها جوابالآخر، على أن بعض أئمتنا تكلف هنا كونها جزاء وجوابا، وهذا كله محرر فيما كتبناه في إذن في شرح التسهيل، وإنما أردنا أن نذكر أن ما قاله الزمخشري ليس هو الصحيح، ولا قول الأكثرين.
وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ، قال ابن زيد : معناه من الجاهلين، بأن وكزتي إياه تأتي على نفسه. وقال أبو عبيدة : من الناسين، ونزع لقوله : أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما «١». وفي قراءة عبد اللّه، وابن عباس : وأنا من الجاهلين، ويظهر أنه تفسير للضالين، لا قراءة مروية عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال الزمخشري : من الفاعلين فعل أولي الجهل، كما قال يوسف لإخوته :
إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ «٢» أو المخلصين، كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل، أو الذاهبين عن تلك الصفة. انتهى. وقيل : من الضالين، يعني عن النبوة، ولم يأتني عن اللّه فيه شيء، فليس عليّ فيما فعلته في تلك الحالة توبيخ. ومن غريب ما شرح به أن معنى وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ، أي من المحبين للّه، وما قتلت القبطي إلا غيرة للّه. قيل : والضلال يطلق ويراد به المحبة، كما في قوله : إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ «٣»، أي في محبتك القديمة.
وجمع ضمير الخطاب في منكم وخفتكم بأن كان قد أفرد في : تمنها وعبدت، لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده، وإنما منه ومن ملئه المذكورين قبل أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ، وهم كانوا قوما يأتمرون لقتله. ألا ترى إلى قوله : إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ «٤». وقرأ الجمهور : لما حرف وجوب لوجوب، على قول سيبويه، وظرفا بمعنى حين، على مذهب الفارسي. وقرأ حمزة في رواية : لما بكسر اللام وتخفيف الميم، أي يخوفكم. وقرأ عيسى : حكما بضم الكاف والجمهور : بالإسكان. والحكم : النبوة.
(٢) سورة يوسف : ١٢/ ٨٩.
(٣) سورة يوسف : ١٢/ ٩٥.
(٤) سورة يوسف : ١٢/ ٨٩. [.....]