البحر المحيط، ج ٨، ص : ١٧٠
شملتهم الغواية. وقيل : الضمير يعود على الكفار، والغاوون : الشياطين. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ : قبيلة، وكل من تبعه فهو جند له وعون. وقال السدّي : هم مشركو العرب، والغاوون : سائر المشركين. وقيل : هم القادة والسفلة، قالوا : أي عباد الأصنام، والجملة بعده حال، والمقول جملة القسم ومتعلقه، والخطاب في نُسَوِّيكُمْ للأصنام على جهة الإقرار والاعتراف بالحق. قال ابن عطية : أقسموا باللّه إن كنا إلا ضالين في أن نعبدكم ونجعلكم سواء مع اللّه تعالى، الذي هو رب العالمين وخالقهم ومالكهم. انتهى. وقوله :
إن كنا إلا ضالين، إن أراد تفسير المعنى فهو صحيح، وإن أراد أن إن هنا نافية، واللام في لفي بمعنى إلا، فليس مذهب البصريين، وإنما هو مذهب الكوفيين. ومذهب البصريين في مثل هذا أن إن هي المخففة من الثقيلة، وأن اللام هي الداخلة للفرق بين إن النافية وإن التي هي لتأكيد مضمون الجملة.
وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ : أي أصحاب الجرائم والمعاصي العظام والجرأة، وهم ساداتهم ذوو المكانة في الدنيا والاستتباع كقولهم : أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا «١». وقال السدي : هم الأولون الذين اقتدوا بهم. وقيل : المجرمون : الشياطين، وقيل : من دعاهم إلى عبادة الأصنام من الجن والإنس. وقال ابن جريج : إبليس وابن آدم القاتل، لأنه أول من سن القتل وأنواع المعاصي. وحين رأوا شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء نافعة في أهل الإيمان، وشفاعة الصديق في صديقه خاصة، قالوا على جهة التلهف والتأسف، فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ. وقال ابن جريج : شافعين من الملائكة وصديق من الناس. ولفظة الشفيع تقتضي رفعة مكانة عند المشفوع عنده، ولفظة الصديق تقتضي شدة مساهمة ونصرة، وهو فعيل من صدق الود من أبنية المبالغة ونفي الشفعاء. والصديق يحتمل أن يكون نفيا لوجودهم إذ ذاك، وهم موجودون للمؤمنين، إذ تشفع الملائكة وتتصادق المؤمنون، كما قال : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين، أو ذلك على حسب اعتقادهم في معبوداتهم أنهم شفعاؤهم عند اللّه، وأن لهم أصدقاء من الإنس والشياطين، فقصدوا بنفيهم نفي ما يتعلق بهم من النفع، لأن ما لا ينفع، حكمه حكم المعدوم، فصار المعنى : فما لنا من نفع من كنا نعتقد أنهم شفعاء وأصدقاء، وجمع الشفعاء لكثرتهم في العادة. ألا ترى أنه يشفع فيمن وقع في ورطة من لا يعرفه، وأفرد الصديق لقلته، وأريد به الجمع؟ إذ يقال : هم صديق، أي أصدقاء، كما