البحر المحيط، ج ٨، ص : ١٨٢
اللطف في الطلع أن يكون بسبب كثرة الحمل، فإنه متى كثر لطف فكان هضيما، وإذا قل الحمل جاء التمر فاخرا. ولما كانت منابت النخل جيدة، وكان السقي لها كثيرا، وسلمت من العاهة، كبر الحمل بلطف الحب. وقرأ الجمهور : وَتَنْحِتُونَ، بالتاء للخطاب وكسر الحاء وأبو حيوة، وعيسى، والحسن : بفتحها، وتقدم ذكره، وعنه بألف بعد الحاء إشباعا. وعن عبد الرحمن بن محمد، عن أبيه : بالياء من أسفل وكسر الحاء. وعن أبي حيوة، والحسن أيضا : بالياء من أسفل وفتح الحاء. وقرأ عبد اللّه، وابن عباس، وزيد بن علي، والكوفيون، وابن عامر : فارهين بألف، وباقي السبعة : بغير ألف ومجاهد :
متفرهين، اسم فاعل من تفره، والمعنى : نشطين مهتمين، قاله ابن عباس. وقال مجاهد :
شرهين. وقال ابن زيد : أقوياء. وقال ابن عباس أيضا، وأبو عمرو بن العلاء : أشرين بطرين. وقال عبد اللّه بن شداد : بمعنى مستفرهين، أي مبالغين في استجادة المغارات ليحفظوا أموالهم فيها. وقال قتادة : آمنين. وقال الكلبي : متجبرين. وقال خصيف :
معجبين. وقال عكرمة : ناعمين. وقال الضحاك : كيسين. وقال أبو صالح : حاذقين. وقال ابن بحر : قادرين. وقال أبو عبيدة : مرحين.
وظاهر هذه الآيات أن الغالب على قوم هود : اللذات الخيالية من طلب الاستعلاء والبقاء والتفرد والتجبر، وعلى قوم صالح : اللذات الحسية من المأكول والمشروب والمساكن الطيبة الحصينة. وَلا تُطِيعُوا : خطاب الجمهور قومه. والمسرفون : هم كبراؤهم وأعلامهم في الكفر والإضلال، وكانوا تسعة رهط. يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ : أي أرض ثمود. وقيل : في الأرض كلها، لأن بمعاصيهم امتناع الغيث. ولما كانوا يفسدون دلالته دلالة المطلق، أتى بقوله : وَلا يُصْلِحُونَ، فنفى عنهم الصلاح، وهو نفي لمطلق الصلاح، فيلزم منه نفي الصلاح كائنا ما كان، فلا يحصل منهم صلاح البتة. والمسحر :
الذي سحر كثيرا حتى غلب على عقله. وقيل : من السحر، وهو الرئة، أي أنت بشر لا تصلح للرسالة. ويضعف هذا القول قولهم بعد : ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا، إذ تكون هذه الجملة توكيدا لما قبلها، والأصل التأسيس. ومثلنا : أي في الأكل والشرب وغير ذلك من صفات البشر، فلا اختصاص لك بالرسالة.
فَأْتِ بِآيَةٍ : أي بعلامة على صحة دعواك، وفي الكلام حذف تقديره : قال آتي بها، قالوا : ما هي؟ قالَ هذِهِ ناقَةٌ.
روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة تلد سقبا. فقعد صالح يتفكر، فقال له جبريل عليه السلام : صل ركعتين وسل


الصفحة التالية
Icon