البحر المحيط، ج ٨، ص : ١٨٤
للتبيين لقوله : ما خَلَقَ، وإما للتبعيض : أي العضو المخلوق للوطء، وهو الفرج، وهو على حذف مضاف، أي وتذرون إتيان. فإن كان ما خلق لا يراد به العضو، فلا بد من تقدير مضاف آخر، أي وتذرون إتيان فروج ما خلق. بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ : أي متجاوزون الحد في الظلم، وهو إضراب بمعنى الانتقال من شيء إلى شيء، لا أنه إبطال لما سبق من الإنكار عليهم وتقبيح أفعالهم واعتداؤهم إما في المعاصي التي هذه المعصية من جملتها، أو من حيث ارتكاب هذه الفعلة الشنيعة. وجاء تصدير الجملة بضمير الخطاب تعظيما لقبح فعلهم وتنبيها على أنهم هم مختصون بذلك، كما تقول : أنت فعلت كذا، أي لا غيرك. ولما نهاهم عن هذا الفعل القبيح توعدوه بالإخراج، وهو النفي من بلده الذي نشأ فيه، أي : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عن دعواك النبوة، وعن الإنكار علينا فيما نأتيه من الذكران، لننفينك كما نفينا من نهانا قبلك. ودل قوله : مِنَ الْمُخْرَجِينَ على أنه سبق من نهاهم عن ذلك، فنفوه بسبب النهي، أو من المخرجين بسبب غير هذا السبب، كأنه من خالفهم في شيء نفوه، سواء كان الخلاف في هذا الفعل الخاص، أم في غيره.
قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ : أي للفاحشة التي أنتم تعملونها. ولعملكم يتعلق إما بالقالين، وإن كان فيه أل، لأنه يسوغ في المجرورات والظروف ما لا يسوغ في غيرها، لاتساع العرب في تقديمها، حيث لا يتقدم غيرها وإما بمحذوف دل عليه القالين تقديره : إني قال لعملكم وإما أن تكون للتبيين، أي لعملكم، أعني من القالين. وكونه بعض القالين يدل على أنه يبغض هذا الفعل ناس غيره هو بعضهم، ونبه ذلك على أن هذا الفعل موجب للبغض حتى يبغضه الناس. ومن القالين أبلغ من قال لما ذكرنا من أن الناس يبغضونه، ولتضمنه أنه معدود ممن يبغضه. ألا ترى إن قولك : زيد من العلماء، أبلغ من : زيد عالم، لأن في ذلك شهادة بأنه معدود في زمرتهم. وقال أبو عبد اللّه الرازي : القلى : البغض الشديد، كأنه بغض فقلى الفؤاد والكبد. انتهى. ولا يكون قلى بمعنى أبغض. وقلا من الطبخ والشيء من مادّة واحدة لاختلاف التركيب. فمادة قلا من الشّيء من ذوات الواو، وتقول : قلوت اللحم فهو مقلو. ومادّة قلى من البغض من ذوات الياء، قليت الرجل، فهو مقلي. قال الشاعر :
ولست بمقلي الخلال ولا قال ولما توعدوه بالإخراج، أخبرهم ببغض عملهم، ثم دعا ربه فقال : رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ : أي من عقوبة ما يعملون من المعاصي. ويحتمل أن يكون دعاء لأهله


الصفحة التالية
Icon