البحر المحيط، ج ٨، ص : ١٨٩
للإنذار والتبشير. والظاهر تعلق بِلِسانٍ بنزل، فكان يسمع من جبريل حروفا عربية. قال ابن عطية، وهو القول الصحيح : وتكون صلصلة الجرس صفة لشدة الصوت وتداخل حروفه وعجلة مورده وإغلاظه. ويمكن أن يتعلق بقوله : لِتَكُونَ، وتمسك بهذا من رأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، كان يسمع أحيانا مثل صلصلة الجرس، يتفهم له منه القرآن، وهو مردود.
انتهى. وقال الزمخشري : بِلِسانٍ، إما أن يتعلق بالمنذرين، فيكون المعنى : لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان، وهم خمسة : هود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل، ومحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وعليهم وإما أن يتعلق بنزل، فيكون المعنى : نزله باللسان العربي المبين لتنذر به، لأنه لو نزله باللسان الأعجمي، لتجافوا عنه أصلا وقالوا : ما نصنع بما لا نفهمه؟ فيتعذر الإنذار به.
وفي هذا الوجه، إن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك، تنزيل له على قلبك، لأنك تفهمه ويفهمه قومك. ولو كان أعجميا، لكان نازلا على سمعك دون قلبك، لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها، وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات، فإذا كلم بلغتها التي لقنها أولا ونشأ عليها وتطبع بها، لم يكن قلبه إلا إلى معاني تلك الكلم يتلقاها بقلبه، ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت. وإن كلم بغير تلك اللغة، وإن كان ماهرا بمعرفتها، كان نظره أولا في ألفاظها، ثم في معانيها. فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين. انتهى. وفيه تطويل.
وَإِنَّهُ، أي القرآن لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ : أي مذكور في الكتب المنزلة القديمة، منبه عليه مشار إليه. وقيل : إن معانيه فيها، وبه يحتج لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة، على أن القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية، حيث قيل : وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ، لكون معانيه فيها. وقيل : الضمير عائد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أي إن ذكره ورسالته في الكتاب الإلهية المتقدمة يكون التفاتا، إذ خرج من ضمير الخطاب في قوله :
عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ إلى ضمير الغيبة، وكذلك قبل في أن يعلمه، أي أن يعلم محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم، وتناسق الضمائر لشيء واحد أوضح. وقرأ الأعمش : لفي زبر، بسكون الباء، والأصل الضم، ثم احتج عليهم بأنهم كان ينبغي أن يصحح عندهم أمره، كون علماء بني إسرائيل يعلمونه، أي أو لم يكن لهم علامة على صحة علم بني إسرائيل به؟ إذ كانت قريش ترجع في كثير من الأمور النقلية إلى بني إسرائيل، ويسألونهم عنها ويقولون : هم أصحاب الكتب الإلهية. وقد تهود كثير من العرب وتنصر كثير، لاعتقادهم في صحة دينهم. وذكر الثعلبي، عن ابن عباس، أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن