البحر المحيط، ج ٨، ص : ١٩٢
بمثله، ولم يؤمنوا به. وقال يحيى بن سلام : الضمير في سلكناه يعود على التكذيب، فذلك الذي منعهم من الإيمان. انتهى. ويقويه قوله : فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ.
وقال الحسن : الضمير يعود على الكفر الذي يتضمنه قوله : ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ. انتهى.
وهو قريب من القول الذي قبله. وقال عكرمة : سلكناه، أي القسوة، وأسند السلك تعالى إليه، لأنه هو موجد الأشياء حقيقة، وهو الهادي وخالق الضلال.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته؟ قلت :
أراد به الدلالة على تمكنه مكذبا في قلوبهم أشد التمكين وأثبته، فجعله بمنزلة أمر قد جبلوا عليه. ألا ترى إلى قولهم : هو مجبول على الشح؟ يريدون تمكن الشح فيه، لأن الأمور الخلقية أثبت من العارضة، والدليل عليه أنه أسند ترك الإيمان به إليهم على عقبه، وهو قوله : لا يُؤْمِنُونَ بِهِ. انتهى. وهو على طريقة الاعتزال والتشبيه بين السلكين، يقتضي تغاير من حل به. والمعنى : مثل ذلك السلك في قلوب قريش، سلكناه في قلوب من أجرم، لاشتراكهما في علة السلك وهو الإجرام. قال ابن عطية : أراد بهم مجرمي كل أمّة، أي إن هذه عادة اللّه فيهم، أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب، فلا ينفعهم الإيمان بعد تلبس العذاب بهم، وهذا على جهة المثال لقريش، أي هؤلاء كذلك، وكشف الغيب بما تضمنته الآية يوم بدر.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما موقع لا يُؤْمِنُونَ بِهِ من قوله : سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ؟ قلت : موقعه منه موقع الموضح والملخص، لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم، فاتبع بما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد، ويجوز أن يكون حالا، أيّ سلكناه فيها غير مؤمن به. انتهى. ورؤيتهم العذاب، قيل : في الدنيا، وقيل : يوم القيامة. وقرأ الجمهور : فَيَأْتِيَهُمْ، بياء، أي العذاب. وقرأ الحسن، وعيسى : بتاء التأنيث، أنث على معنى العذاب لأنه العقوبة، أي فتأتيهم العقوبة يوم القيامة، كما قال : أتته كتابي، فلما سئل قال : أو ليس بصحيفة؟ قال الزمخشري : فتأتيهم بالتاء، يعني الساعة. وقال أبو الفضل الرازي : أنث العذاب لاشتماله على الساعة، فاكتسى منها التأنيث، وذلك لأنهم كانوا يسألون عذاب القيامة تكذيبا بها، فلذلك أنث. ولا يكتسى المذكر من المؤنث تأنيثا إلا إن كان مضافا إليه نحو : اجتمعت أهل اليمامة، وقطعت بعض أصابعه، وشرقت صدر القناة، وليس كذلك. وقرأ الحسن :
بغتة، بفتح الغين، فتأتيهم بالتاء من فوق، يعني الساعة.