البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٠٠
تلك الكلمة، - كانت سبب ضلالة لمن سمعها. وعلى كون الضمير عائدا على كل أفاك، احتمل أن يكون يلقون استئناف إخبار عن الأفاكين، واحتمل أن يكون صفة لكل أفاك، ولا تعارض بين قوله : كُلِّ أَفَّاكٍ، وبين قوله : وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ، لأن الأفاك هو الذي يكثر الكذب، ولا يدل ذلك على أنه لا ينطق إلا بالإفك، فالمعنى : أن الأفاكين من صدق منهم فيما يحكى عن الجني، فأكثرهم مغتر.
قال الزمخشري : فإن قلت : وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ، وما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ، هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ، لم فرق بينهن وبين إخوان؟ قلت : أريد التفريق بينهن بآيات ليست في معناهن، ليرجع إلى المجيء بهن، ويطريه ذكر ما فيهن كرة بعد كرة، فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي أسندت كراهة اللّه لها، ومثاله : أن يحدث الرجل بحديث، وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية، فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه. انتهى. ولما ذكر الكهنة بإفكهم الكثير وحالهم المقتضية، نفي كلام القرآن، إذ كان بعض الكفار قال في القرآن : إنه شعر، كما قالوا في الرسول : إنه كاهن، وإن ما أتى به هو من باب الكهانة، كما قال تعالى : وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ «١»، وقال : وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ «٢».
فقال : وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. قيل : هي في أمية بن أبي الصلت، وأبي عزة، ومسافع الجمحي، وهبيرة بن أبي وهب، وأبي سفيان بن الحارث، وابن الزبعري.
وقد أسلم ابن الزبعري وأبو سفيان. والشعراء عام يدخل فيه كل شاعر، والمذموم من يهجو ويمدح شهوة محرمة، ويقذف المحصنات، ويقول الزور وما لا يسوغ شرعا. وقرأ عيسى :
والشعراء : نصبا على الاشتغال والجمهور : رفعا على الابتداء والخبر. وقرأ السلمي، والحسن بخلاف عنه، ونافع يتبعهم مخففا وباقي السبعة مشددا وسكن العين :
الحسن، وعبد الوارث، عن أبي عمرو. وروى هارون : نصبها عن بعضهم، وهو مشكل.
وَالْغاوُونَ، قال ابن عباس : الرواة، وقال أيضا : المستحسنون لأشعارهم، المصاحبون لهم. وقال عكرمة : الرعاع الذين يتبعون الشاعر. وقال مجاهد، وقتادة : الشياطين. وقال عطية : السفهاء المشركون يتبعون شعراءهم.
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ : تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول،
(٢) سورة الحاقة : ٦٩/ ٤١.