البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٠٢
خلقا لهم وعادة، كما قال لبيد، حين طلب منه شعره : إن اللّه أبدلني بالشعر القرآن خيرا منه. ولما ذكر : وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا، توعد الظالمين هذا التوعد العظيم الهائل الصادع للأكباد وأبهم في قوله : أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
ولما عهد أبو بكر لعمر رضي اللّه عنهما، تلا عليه : وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، وكان السلف الصالح يتواعظون بها. والمفهوم من الشريعة أن الذين ظلموا هم الكفار. وقال الزمخشري : وتفسير الظلم بالكفر تعليل، وكان ذكر قبل أن الذين ظلموا مطلق، وهذا منه على طريق الاعتزال. وقرأ ابن عباس، وابن أرقم، عن الحسن :
أي منفلت ينفلتون، بفاء وتاءين، معناه : إن الذين ظلموا يطمعون أن ينفلتوا من عذاب اللّه، وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات، وهو النجاة. وَسَيَعْلَمُ هنا معلقة، وأي منقلب : استفهام، والناصب له ينقلبون، وهو مصدر. والجملة في موضع المفعول لسيعلم. وقال أبو البقاء : أي منقلب مصدر نعت لمصدر محذوف، والعامل ينقلبون انقلابا، أي منقلب، ولا يعمل فيه يعلم، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
انتهى. وهذا تخليط، لأن أيا، إذا وصف بها، لم تكن استفهاما، بل أي الموصوف بها قسم لأي المستفهم بها، لا قسم. فأي تكون شرطية واستفهامية وموصولة، ووصفا على مذهب الأخفش موصوفة بنكرة نحو : مررت بأي معجب لك، وتكون مناداة وصلة لنداء ما فيه الألف واللام نحو : يا أيها الرجل. والأخفش يزعم أن التي في النداء موصولة. ومذهب الجمهور أنها قسم برأسه، والصفة تقع حالا من المعرفة، فهذه أقسام أي فإذا قلت : قد علمت أي ضرب تضرب، فهي استفهامية، لا صفة لمصدر محذوف.


الصفحة التالية
Icon