البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٠٧
ظاهر مكشوف ونكر. وَكِتابٍ مُبِينٍ، ليبهم بالتنكير، فيكون أفخم له كقوله : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ «١». وإذا أريد به القرآن، فعطفه من عطف إحدى الصفتين على الأخرى، لتغايرهما في المدلول عليه بالصفة، من حيث أن مدلول القرآن الاجتماع، ومدلول كتاب الكتابة. وقيل : القرآن والكتاب اسمان علمان على المنزل على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فحيث جاء بلفظ التعريف، فهو العلم، وحيث جاء بوصف النكرة، فهو الوصف، وقيل : هما يجريان مجرى العباس، وعباس فهو في الحالين اسم العلم. انتهى. وهذا خطأ، إذ لو كان حاله نزع منه علما، ما جاز أن يوصف بالنكرة. ألا ترى إلى قوله : وَكِتابٍ مُبِينٍ، وَقُرْآنٍ مُبِينٍ «٢»، وأنت لا تقول : مررت بعباس قائم، تريد به الوصف؟ وقرأ ابن أبي عبلة :
وكتاب مبين، برفعهما، التقدير : وآيات كتاب، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعرب بإعرابه. وهنا تقدم القرآن على الكتاب، وفي الحجر عكسه، ولا يظهر فرق، وهذا كالمتعاطفين في نحو : ما جاء زيد وعمرو. فتارة يظهر ترجيح كقوله : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ «٣»، وتارة لا يظهر كقوله : وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً «٤».
قال يحيى بن سلام : هُدىً إلى الجنة، وَبُشْرى بالثواب. وقال الشعبي :
هدى من الضلال، وبشرى بالجنة، وهدى وبشرى مقصوران، فاحتمل أن يكونا منصوبين على الحال، أي هادية ومبشرة. قيل : والعامل في الحال ما في تلك من معنى الإشارة، واحتمل أن يكونا مصدرين، واحتملا الرفع على إضمار مبتدأ. أي هي هدى وبشرى أو على البدل من آيات أو على خبر بعد خبر، أي جمعت بين كونها آيات وهدى وبشرى.
ومعنى كونها هدى للمؤمنين : زيادة هداهم. قال تعالى : فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ «٥». وقيل : هدى لجميع الخلق، ويكون الهدى بمعنى الدلالة والإرشاد والتبيين، لا بمعنى تحصيل الهدى الذي هو مقابل الضلال. وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ خاصة، وقيل : هدى للمؤمنين وبشرى للمؤمنين، وخصهم بالذكر لانتفاعهم به.
وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ : تحتمل هذه الجملة أن تكون معطوفة على صلة الَّذِينَ. ولما كان : يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ مما يتجدد ولا يستغرق الأزمان، جاءت

(١) سورة القمر : ٥٤/ ٥٥.
(٢) سورة الحجر : ١٥/ ١.
(٣) سورة آل عمران : ٣/ ١٨.
(٤) سورة الأعراف : ٧/ ١٦١.
(٥) سورة التوبة : ٩/ ١٢٤. [.....]


الصفحة التالية
Icon