البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢١٦
واضحة، ونسب الإبصار إليها على سبيل المجاز، لما كان يبصر بها جعلت مبصرة، أو لما كان معها الإبصار والوضوح. وقيل : لجعلهم بصراء، من قول : أبصرته المتعدية بهمزة النقل من بصر. وقيل : فاعل بمعنى مفعول، كماء دافق. وقرأ قتادة، وعلي بن الحسين :
مبصرة، بفتح الميم والصاد
، وهو مصدر، كما تقول : الولد مجبنة، وأقيم مقام الاسم، وانتصب أيضا على الحال، وكثر هذا الوزن في صفات الأماكن نحو : أرض مسبعة، ومكان مضية. قال الزمخشري : أي مكانا يكثر فيه التبصر. انتهى. والأبلغ في : وَاسْتَيْقَنَتْها أن تكون الواو واو الحال، أي كفروا بها وأنكروها في الظاهر، وقد استيقنت أنفسهم في الباطن أنها آيات من عند اللّه، وكابروا وسموها سحرا. وقال تعالى، حكاية عن موسى في محاورته لفرعون : قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ «١».
ظُلْماً : مجاوزة الحد، وَعُلُوًّا : ارتفاعا وتكبرا عن الإيمان، وانتصبا على أنهما مصدران في موضع الحال، أي ظالمين عالين أو مفعولان من أجلهما، أي لظلمهم وعلوهم، أي الحامل لهم على الإنكار والجحود، مع استيقان أنها آيات من عند اللّه هو الظلم والعلو. واستفعل هنا بمعنى تفعل نحو : استكبر في معنى تكبر. وقرأ عبد اللّه، وابن وثاب، والأعمش، وطلحة، وأبان بن تغلب،
وعليا : بقلب الواو ياء، وكسر العين واللام
، وأصله فعول، لكنهم كسروا العين اتباعا وروي ضمها عن ابن وثاب والأعمش وطلحة، وتقدم الخلاف في كفر العناد، هل يجوز أن يقع أم لا؟ والعاقبة : ما آل إليه قوم فرعون من سوء المنقلب، وما أعد لهم في الآخرة أشد، وفي هذا تمثيل لكفار قريش، إذ كانوا مفسدين مستعلين، وتحذير لهم أن يحل بهم مثل ما حل بمن كان قبلهم.
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ، وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ.
هذا ابتداء قصص وأخبار بمغيبات وعبر ونكر. عِلْماً لأنه طائفة من العلم. وقال