البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٢٠
لقال : قال نملة، وكلام النحاة على خلافه، وأنه لا يخبر عنه إلا إخبار المؤنث، سواء كان ذكرا أم أنثى. وأما تشبيه الزمخشري النملة بالحمامة والشاة، فبينهما قدر مشترك، وهو إطلاقهما على الذكر والمؤنث، وبينهما فرق، وهو أن الحمامة والشاة يتميز فيهما المذكر من المؤنث، فيمكن أن تقول : حمامة ذكر وحمامة أنثى، فتميز بالصفة. وأما تمييزه بهو وهي، فإنه لا يجوز. لا تقول : هو الحمامة، ولا هو الشاة وأما النملة والقملة فلا يتيمز فيه المذكر من المؤنث، فلا يجوز فيه في الإخبار إلا التأنيث، وحكمه حكم المؤنث بالتاء من الحيوان العاقل نحو : المرأة، أو غير العاقل كالدابة، إلا أن وقع فصل بين الفعل وبين ما أسند إليه من ذلك، فيجوز أن تلحق العلامة الفعل، ويجوز أن لا تلحق، على ما قرر ذلك في باب الإخبار عن المؤنث في علم العربية.
وقرأ الحسن، وطلحة، ومعتمر بن سليمان، وأبو سليمان التيمي : نملة، بضم الميم كسمرة، وكذلك النمل، كالرجلة والرجل لعتان. وعن سليمان التيمي : نمل ونمل بضم النون والميم، وجاء الخطاب بالأمر، كخطاب من يعقل في قوله : ادْخُلُوا وما بعده، لأنها أمرت النمل كأمر من يعقل، وصدر من النمل الامتثال لأمرها. وقرأ شهر بن حوشب :
مسكنكم، على الإفراد. وعن أبيّ : أدخلن مساكنكن لا يحطمنكم : مخففة النون التي قبل الكاف. وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وقتادة، وعيسى بن عمر الهمداني، الكوفي، ونوح القاضي : بضم الياء وفتح الحاء وشد الطاء والنون، مضارع حطم مشددا. وعن الحسن :
بفتح الياء وإسكان الحاء وشد الطاء، وعنه كذلك مع كسر الحاء، وأصله : لا يحتطمنكم من الاحتطام. وقرأ ابن أبي إسحاق، وطلحة، ويعقوب، وأبو عمرو في رواية عبيد : كقراءة الجمهور، إلا أنهم سكنوا نون التوكيد. وقرأ الأعمش : بحذف النون وجزم الميم، والظاهر أن قوله : لا يَحْطِمَنَّكُمْ، بالنون خفيفة أو شديدة، نهي مستأنف، وهو من باب :
لا أرينك هاهنا، نهت غير النمل، والمراد النمل، أي لا تظهروا بأرض الوادي فيحطمكم، ولا تكن هنا فأراك. وقال الزمخشري : فإن قلت : لا يحطمنكم ما هو؟ قلت : يحتمل أن يكون جوابا للأمر، وأن يكون هنا بدلا من الأمر، والذي جوز أن يكون بدلا منه، لأنه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم على طريقة لا أرينك هاهنا، أرادت لا يحطمنكم جنود سليمان، فجاءت بما هو أبلغ ونحوه : عجبت من نفسي ومن إشفاقها. انتهى. وأما تخريجه على أنه أمر، فلا يكون ذلك إلا على قراءة الأعمش، إذ هو مجزوم، مع أنه يحتمل أن يكون استئناف نفي، وأما مع وجود نون التوكيد، فإنه لا يجوز ذلك إلا إن كان في الشعر.