البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٢٦
الواردون وتيم في ذرى سبأ قد عض أعناقهم جلد الجواميس
ومن سكن الهمزة، فلتوالي الحركات فيمن منع الصرف، وإجراء للوصل مجرى الوقف.
وقال مكي : الإسكان في الوصل بعيد غير مختار ولا قوي. انتهى. وقرأ الأعمش : من سبأ، بكسر الهمزة من غير تنوين، حكاها عنه ابن خالويه وابن عطية، ويبعد توجيهها. وقرأ ابن كثير في رواية : من سبأ، بتنوين الباء على وزن رحى، جعله مقصورا مصروفا. وذكر أبو معاذ أنه قرأ من سبأ : بسكون الباء وهمزة مفتوحة غير منونة، بناه على فعلى، فامتنع الصرف للتأنيث اللازم. وروى ابن حبيب، عن اليزيدي : من سبأ، بألف ساكنة، كقولهم : تفرقوا أيدي سبا. وقرأت فرقة : بنبإ، بألف عوض الهمزة، وكأنها قراءة من قرأ : لسبا، بالألف، لتتوازن الكلمتان، كما توازنت في قراءة من قرأهما بالهمزة المكسور والتنوين. وقال في التحرير : إن هذا النوع في علم البديع يسمى بالترديد، وفي كتاب التفريع بفنون البديع.
إن الترديد رد أعجاز البيوت على صدورها، أو رد كلمة من النصف الأول إلى النصف الثاني، ويسمى أيضا التصدير، فمثال الأول قوله :
سريع إلى ابن العم يجبر كسره وليس إلى داعي الخنا بسريع
ومثال الثاني قوله :
والليالي إذا نأيتم طوال والليالي إذا دنوتم قصار
وذكر أن مثل : مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ، يسمى تجنيس التصريف، قال : وهو أن تنفرد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف، ومنه قوله تعالى : ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ، وما ورد
في الحديث :«الخيل معقود في نواصيها الخير».
وقال الشاعر :
للّه ما صنعت بنا تلك المعاجر والمحاجر
وقال الزمخشري : وقوله : مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ، من جنس الكلام الذي سماه المحدثون البديع، وهو من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ، بشرط أن يجيء مطبوعا، أو بصيغة عالم بجوهر الكلام، يحفظ معه صحة المعنى وسداده. ولقد جاء هاهنا زائدا على الصحة، فحسن وبدع لفظا ومعنى. ألا ترى لو وضع مكان بنبإ بخبر لكان المعنى صحيحا؟ وهو كما جاء أصح، لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال. انتهى. والزيادة التي أشار