البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٢٩
وأسند التزيين إلى الشيطان، إذ كان هو المتسبب في ذلك بأقدار اللّه تعالى.
فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، أي الشيطان، أو تزيينه عن السبيل وهو الإيمان باللّه وإفراده بالعبادة. فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ، أي إلى الحق. وقرأ ابن عباس، وأبو جعفر، والزهري، والسلمي، والحسن، وحميد، والكسائي : ألا، بتخفيف لام الألف، فعلى هذا له أن يقف على : فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ، ويبتدىء على : أَلَّا يَسْجُدُوا. قال الزمخشري : وإن شاء وقف على ألا يا، ثم ابتدأ اسجدوا، وباقي السبعة : بتشديدها، وعلى هذا يصل قوله :
فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ بقوله : أَلَّا يَسْجُدُوا. وقال الزمخشري : وفي حرف عبد اللّه، وهي قراءة الأعمش : هلا وهلا، بقلب الهمزتين هاء، وعن عبد اللّه : هلا يسجدون، بمعنى : ألا تسجدون، على الخطاب. وفي قراءة أبي : ألا تسجدون للّه الذي يخرج الخبء من السماء والأرض ويعلم سركم وما تعلنون، انتهى. وقال ابن عطية : وقرأ الأعمش : هلا يسجدون وفي حرف عبد اللّه : ألا هل تسجدون، بالتاء، وفي قراءة أبي : ألا تسجدون، بالتاء أيضا فأما قراءة من أثبت النون في يسجدون، وقرأ بالتاء أو الياء، فتخريجها واضح. وأما قراءة باقي السبعة فخرجت على أن قوله : أَلَّا يَسْجُدُوا في موضع نصب، على أن يكون بدلا من قوله : أَعْمالَهُمْ، أي فزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا. وما بين المبدل منه والبدل معترض، أو في موضع جر، على أن يكون بدلا من السبيل، أي نصدهم عن أن لا يسجدوا. وعلى هذا التخريج تكون لا زائدة، أي فصدهم عن أن يسجدوا للّه، ويكون فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ معترضا بين المبدل منه والبدل، ويكون التقدير : لأن لا يسجدوا.
وتتعلق اللام إما بزين، وإما بقصدهم، واللام الداخلة على أن داخلة على مفعول له، أي علة تزيين الشيطان لهم، أو صدهم عن السبيل، هي انتفاء سجودهم للّه، أو لخوفه أن يسجدوا للّه. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون لا مزيدة، ويكون المعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا. انتهى. وأما قراءة ابن عباس ومن وافقه، فخرجت على أن تكون ألا حرف استفتاح، ويا حرف نداء، والمنادى محذوف، واسجدوا فعل أمر، وسقطت ألف يا التي للنداء، وألف الوصل في اسجدوا، إذ رسم المصحف يسجدوا بغير ألفين لما سقطا لفظا سقطا خطا. ومجيء مثل هذا التركيب موجود في كلام العرب. قال الشاعر :
ألا يا اسلمي ذات الدمالج والعقد وقال :
ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال