البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٣
وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً أي ذنبا صغيرا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ من الكبائر وعلق مس العذاب بثلاثة آثام تلقي الإفك والتكلم به واستصغاره ثم أخذ يوبخهم على التكلم به، وكان الواجب عليهم إذ سمعوه أن لا يفوهوا به.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز الفصل بين لَوْ لا وقُلْتُمْ؟ قلت :
للظروف شأن وهو تنزلها من الأشياء منزلة نفسها لوقوعها فيها، وأنها لا تنفك عنها فلذلك يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها انتهى. وما ذكره من أدوات التحضيض يوهم أن ذلك مختص بالظرف وليس كذلك، بل يجوز تقديم المفعول به على الفعل فتقول : لو لا زيدا ضربت وهلا عمرا قتلت.
قال الزمخشري : فإن قلت : فأي فائدة في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلا؟ قلت :
الفائدة بيان أنه كان الواجب عليهم أن ينقادوا حال ما سمعوه بالإفك عن التكلم به، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم.
فإن قلت : ما معنى يَكُونُ والكلام بدونه متلئب لو قيل ما لنا أن نتكلم بهذا قلت :
معناه ما ينبغي ويصح أي ما ينبغي لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا ولا يصح لنا ونحوه ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق وسُبْحانَكَ تعجب من عظم الأمر.
فإن قلت : ما معنى التعجب في كلمة التسبيح؟ قلت : الأصل في ذلك أن تسبيح اللّه عند رؤية المتعجب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه، أو لتنزيه اللّه عن أن تكون حرمة نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم كما قيل فيها انتهى.
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا أي في أن تعودوا، تقول : وعظت فلانا في كذا فتركه.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حث لهم على الاتعاظ وتهييج لأن من شأن المؤمن الاحتراز مما يشينه من القبائح. وقيل : أَنْ تَعُودُوا مفعول من أجله أي كراهة أَنْ تَعُودُوا. وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ أي الدلالات على علمه وحكمته بما ينزل عليكم من الشرائع ويعلمكم من الآداب، ويعظكم من المواعظ الشافية. إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ. قال مجاهد وابن زيد الإشارة إلى عبد اللّه بن أبي ومن أشبهه. فِي الَّذِينَ آمَنُوا لعداوتهم لهم، والعذاب الأليم في الدنيا الحد، وفي الآخرة النار. والظاهر في الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ العموم في كل قاذف منافقا كان أو مؤمنا، وتعليق الوعيد على محبة الشياع دليل على أن إرادة الفسق فسق واللّه يعلم أي البريء من المذنب وسرائر الأمور، ووجه الحكمة في ستركم والتغليظ في الوعيد.


الصفحة التالية
Icon