البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٤٨
كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ.
ثمود هي عاد الأولى، وصالح أخوهم في النسب. للما ذكر قصة موسى وداود وسليمان، وهم من بني إسرائيل، ذكر قصة من هو من العرب، يذكر بها قريشا والعرب، وينبههم أن من تقدم من الأنبياء من العرب كان يدعو إلى إفراد اللّه تعالى بالعبادة، ليعلموا أنهم في عبادة الأصنام على ضلالة، وأن شأن الأنبياء عربهم وعجمهم هو الدعاء إلى عبادة اللّه، وإن في : أَنِ اعْبُدُوا يجوز أن تكون مفسرة، لأن أَرْسَلْنا تتضمن معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية، أي بأن اعبدوا، فحذف حرف الجر، فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب، وعلى الثاني ففي موضعها خلاف، أهو في موضع نصب أم في موضع جر؟
والظاهر أن الضمير في فَإِذا هُمْ عائد على ثَمُودَ، وأن قومه انقسموا فريقين : مؤمنا وكافرا، وقد جاء ذلك مفسرا في سورة الأعراف في قوله : قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ «١». وقال الزمخشري : أريد بالفريقين : صالح وقومه قبل أن يؤمن منهم أحد. انتهى. فجعل الفريق الواحد هو صالح، والفريق الآخر قومه، وإذا هنا هي الفجائية، وعطف بالفاء التي تقتضي التعقيب لا المهلة، فكان المعنى : أنهم بادروا بالاختصام، متعقبا دعاء صالح إياهم إلى عبادة اللّه. وجاء يَخْتَصِمُونَ على المعنى، لأن الفريقين جمع، فإن كان الفريقان من آمن ومن كفر، فالجمعية حاصلة في كل فريق، ويدل على أن فريق المؤمن جمع قوله : إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ «٢» فقال :
آمنتم، وهو ضمير الجمع. وإن كان الفريق المؤمن هو صالح وحده، فإنه قد انضم إلى قومه، والمجموع جمع، وأوثر يختصمون على يختصمان، وإن كان من حيث التثنية جائزا فصيحا، لأنه مقطع فصل، واختصامهم دعوى كل فريق أن الحق معه، وقد ذكر اللّه تخاصمهم في سورة الأعراف.
ثم تلطف صالح بقومه ورفق بهم في الخطاب فقال مناديا لهم على جهة التحنن عليهم : لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ، أي بوقوع ما يسوؤكم قبل الحالة الحسنة، وهي رحمة اللّه. وكان قد قال لهم في حديث الناقة : وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «٣» فقالوا له : ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ «٤». وقيل : لم تستعجلون بوقوع المعاصي منكم قبل الطاعة؟

(١) سورة الأعراف : ٧/ ٧٥.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٧٦.
(٣) سورة الأعراف : ٧/ ٧٣.
(٤) سورة العنكبوت : ٢٩/ ٢٩.


الصفحة التالية
Icon