البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٥٩
وَيَكْشِفُ السُّوءَ : هو كل ما يسوء، وهو عام في كل ضر انتقل من حالة المضطر، وهو خاص إليّ أعم، وهو ما يسوء، سواء كان المكشوف عنه في حالة الاضطرار أو فيما دونها. وخلفاء : أي الأمم السالفة، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو خلفاء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من بعده، أو خلفاء الكفار في أرضهم، أو الملك والتسلط، أقوال. وقرأ الحسن في رواية : ونجعلكم بنون المتكلم، كأنه استئناف إخبار ووعد، كما قال تعالى :
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ.
وقوله : وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ : انتقال من حالة المضطر إلى رتبة مغايرة لحالة الاضطرار، وهي حالة الخلافة، فهما ظرفان. وكم رأينا في الدنيا ممن بلغ حالة الاضطرار ثم صار ملكا متسلطا. وقرأ الجمهور : تذكرون، بتاء الخطاب والحسن، والأعمش، وأبو عمرو : بياء الغيبة، والذال في القراءتين مشددة لإدغام التاء فيها. وقرأ أبو حيوة : تتذكرون، بتاءين. وظلمة البر هي ظلمة الليل، وهي الحقيقة، وتنطلق مجازا على الجهل وعلى انبهام الأمر فيقال : أظلم عليّ الأمر. وقال الشاعر :
تجلت عمايات الرجال عن الصبا أي جهالات الصبا وهداية البر تكون بالعلامات، وهداية البحر بالنجوم.
وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ : تقدم تفسير نظير هذه الجملة.
وقرىء : عما تشركون، بتاء الخطاب. أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ : الظاهر أن الخلق هو المخلوق، وبدؤه : اختراعه وإنشاؤه. ويظهر أن المقصود هو من يعيده اللّه في الآخرة من الإنس والجن والملك، لا عموم المخلوق. وقال ابن عطية : والمقصود بنو آدم من حيث ذكر الإعادة، والإعادة البعث من القبور، ويحتمل أن يريد بالخلق مصدر خلق، ويكون يبدأ ويعيد استعارة للإتقان والإحسان، كما تقول : فلان يبدىء ويعيد في أمر كذا إذا كان يتقنه.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف قال لهم أمن يبدأ الخلق ثم يعيده وهم منكرون الإعادة؟
قلت : قد أنعم عليهم بالتمكين من المعرفة والإقرار، فلم يبق لهم عذر في الإنكار.
انتهى.
ولما كان إيجاد بني آدم إنعاما إليهم وإحسانا، ولا تتم النعمة إلا بالرزق قال : وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ بالمطر، وَالْأَرْضِ بالنبات؟ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ : أي أحضروا حجتكم ودليلكم على ما تدعون من إنكار شيء مما تقدم تقريره إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أن