البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٦٤
شَكٍّ مِنْها
، بمعنى : أم هم في شك منها، لأن حروف العطف قد تتناوب، وكف عن الجملتين بقوله تعالى : بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ. انتهى. يعني أن المعنى : ادّرك علمهم بالآخرة أم شكوا؟ فبل بمعنى أم، عودل بها الهمزة، وهذا ضعيف جدا، وهو أن تكون بل بمعنى أم وتعادل همزة الاستفهام.
قال الزمخشري : فإن قلت : فمن قرأ بلى أدرك؟ قلت : لما جاء ببلى بعد قوله : وَما يَشْعُرُونَ، كان معناه : بلى يشعرون، ثم فسر الشعور بقوله : أدرك علمهم في الآخرة، على سبيل التهكم الذي معناه المبالغة في نفي العلم، فكأنه قال : شعورهم بوقت الآخرة أنهم لا يعلمون كونها، فيرجع إلى المبالغة في نفي الشعور على أبلغ ما يكون. وأما من قرأ : بلى ادّرك، على الاستفهام فمعناه : يشعرون متى يبعثون، ثم أنكر علمهم بكونها، وإذا أنكر علمهم بكونها، لم يتحصل لهم شعور بوقت كونها، لأن العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن. فإن قلت : هذه الإضرابات الثلاث ما معناها؟ قلت : ما هي إلا تنزيل لأحوالهم، وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه، والإزالة مستطاعة، وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه، فلذلك عداه بمن دون عن، لأن العاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يبصرون. انتهى.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ، لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ، وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ، وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ، إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ، وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ.
لما تقدم أنه تعالى منفرد بعلم الغيب، ومن جملتها وقت الساعة، وأنهم لا شعور


الصفحة التالية
Icon