البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٦٨
أن يسمع، لم يذكر له متعلق، بل نفي الإسماع، أي لا يقع منك إسماع لهم البتة لعدم القابلية. وأما الأصم فقد يكون في وقت يمكن إسماعه وسماعه، فأتى بمتعلق الفعل وهو الدعاء. وإذا معمولة لتسمع، وقيد نفي الإسماع أو السماع بهذا الطرف وما بعده على سبيل التأكيد لحال الأصم، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولي مدبرا، كان أبعد عن إدراك صوته.
شبههم أولا بالموتى، ثم بالصم في حالة، ثم بالعمي، فقال : وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ حيث يضلون الطريق، فلا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم ويحولهم هداة بصراء إلا اللّه تعالى. وقرأ الجمهور : بهادي العمى، اسم فاعل مضاف ويحيى بن الحارث، وأبو حيوة : بهاد، منونا العمي والأعمش، وطلحة، وابن وثاب، وابن يعمر، وحمزة : تهدي، مضارع هدي، العمي بالنصب وابن مسعود : وما أنت تهتدي، بزيادة أن بعد ما، ويهتدي مضارع اهتدى، والعمي بالرفع، والمعنى : ليس في وسعك إدخال الهدى في قلب من عمي عن الحق ولم ينظر إليه بعين قلبه. إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا، وهم الذين علم اللّه أنهم يصدقون بآياته. فَهُمْ مُسْلِمُونَ : منقادون للحق. وقال الزمخشري : مسلمون مخلصون، من قوله : بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ «١»، بمعنى جعله سالما للّه خالصا.
انتهى.
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ : أي إذا انتجز وعد عذابهم الذي تضمنه القول الأزلي من اللّه، كقوله : حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ «٢»، فالمعنى : إذا أراد اللّه أن ينفذ في الكافرين سابق علمه فيهم من العذاب، أخرج لهم دابة تنفذ من الأرض. ووقع : عبارة عن الثبوت واللزوم والقول، إما على حذف مضاف، أي مضمون القول، وإما أنه أطلق القول على المقول، لما كان المقول مؤدى بالقول، وهو ما وعدوا به من قيام الساعة والعذاب. وقال ابن مسعود : وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يكون بموت العلماء، وذهاب العلم، ورفع القرآن. انتهى.
وروي أن خروجها حين ينقطع الخير، ولا يؤمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولا يبقى منيب ولا نائب. وفي الحديث :«أن الدابة وطلوع الشمس من المغرب من أول الأشراط»
، ولم يعين الأول، وكذلك الدجال وظاهر الأحاديث أن طلوع الشمس آخرها، والظاهر أن الدابة التي تخرج هي واحدة. وروي أنه يخرج في كل بلد دابة مما هو مثبوت نوعها في الأرض، وليست واحدة، فيكون قوله : دَابَّةً اسم جنس. واختلفوا في ماهيتها،

(١) سورة البقرة : ٢/ ١١٢.
(٢) سورة الزمر : ٣٩/ ٧١.


الصفحة التالية
Icon