البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٧٠
رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ، وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
أي اذكر يوم نحشر، والحشر : الجمع على عنف. مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ : أي من الأمم، ومن هي للتبعيض. فَوْجاً : أي جماعة كثيرة. مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا : من للبيان، أي الذين يكذبون. والآيات : الأنبياء، أو القرآن، أو الدلائل، أقوال. فَهُمْ يُوزَعُونَ : تقدم تفسيره في أول قصة سليمان من هذه السورة. وعن ابن مسعود، أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة : بين يدي أهل مكة، ولذلك يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار. حَتَّى إِذا جاؤُ : أي إلى الموقف قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي : استفهام توبيخ وتقريع وإهانة وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً : الظاهر أن الواو للحال، أي أوقع تكذيبكم بها غير متدبرين لها ولا محيطين علما بكنهها؟ ويجوز أن تكون الواو للعطف، أي أجحدتموها؟ ومع جحودها لم تلقوا أذهانكم لتحققها وتبصرها، فإن المكتوب إليه قد يجحد أن يكون الكتاب من عند من كتبه إليه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأه ويحيط بمعانيه علما. وقيل : وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً، أي ببطلانها حتى تعرضوا عنها، بل كذبتم جاهلين غير مستدلين. وأم هنا منقطعة، وينبغي أن تقدر ببل وحدها. انتقل من الاستفهام الذي يقتضي التوبيخ إلى الاستفهام عن عملهم أيضا على جهة التوبيخ، أي : أي شيء كنتم تعملون؟ والمعنى : إن كان لكم عمل أو حجة فهاتوا، وليس لهم عمل ولا حجة فيما عملوه إلا الكفر والتكذيب. وماذا بجملته يحتمل أن يكون استفهاما منصوبا بخبر كان، وهو تعملون، وأن يكون ما هو الاستفهام، وذا موصول بمعنى الذي، فيكونان مبتدأ وخبرا، وكان صلة لذا والعائد محذوف، أي تعملونه. وقرأ أبو حيوة : أما ذا، بتخفيف الميم، أدخل أداة الاستفهام على اسم الاستفهام على سبيل التوكيد.
وَوَقَعَ الْقَوْلُ : أي العذاب الموعود به بسبب ظلمهم، وهو التكذيب بآيات اللّه.
فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ : أي بحجة ولا عذر لما شغلهم من عذاب اللّه. وقيل : يختم على أفواههم فلا ينطقون، وانتفاء نطقهم يكون في موطن من مواطن القيامة، أو من فريق من الناس، لأن القرآن يقتضي أنهم يتكلمون بحجج في غير هذا الموطن.
ولما ذكر أشياء من أحوال يوم القيامة، ليرتدع بسماعها من أراد اللّه تعالى ارتداعه، نبههم على ما هو دليل على التوحيد والحشر والنبوة بما هم يشاهدونه في حال حياتهم، وهو


الصفحة التالية
Icon