البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٨٨
إلى تحصيلها، ولا يكون قوام الجند إلا بالأموال. وقرىء : خاطيين، بغير همز، فاحتمل أن يكون أصله الهمز. وحذفت، وهو الظاهر. وقيل : من خطا يخطو، أي خاطين الصواب.
ولما التقطوه، هموا بقتله، وخافوا أن يكون المولود الذي يحذرون زوال ملكهم على يديه، فألقى اللّه محبته في قلب آسية امرأة فرعون، ونقلوا أنها رأت نورا في التابوت، وتسهل عليها فتحه بعد تعسر فتحه على يدي غيرها، وأن بنت فرعون أحبته أيضا لبرئها من دائها الذي كان بها، وهو البرص، بإخبار من أخبر أنه لا يبرئها إلا ريق إنسان يوجد في تابوت في البحر.
وقرة : خبر مبتدأ محذوف، أي هو قرة، ويبعد أن يكون مبتدأ والخبر لا تَقْتُلُوهُ وتقدم شرح قرة في آخر الفرقان. وذكر أنها لما قالت لفرعون : قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، قال :
لك لا لي. وروي أنها قالت له : لعله من قوم آخرين ليس من بني إسرائيل، وأتبعت النهي عن قتله برجائها أن ينفعهم لظهور مخايل الخير فيه من النور الذي رأته، ومن برإ البرص، أو يتخذوه ولدا، فإنه أهل لذلك. وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ : جملة حالية، أي لا يشعرون أنه الذي يفسد ملكهم على يديه، قاله قتادة أو أنه عدو لهم، قاله مجاهد أو أني أفعل ما أريد لا ما يريدون، قاله محمد بن إسحاق. والظاهر أنه من كلام اللّه تعالى. وقيل : هو من كلام امرأة فرعون، أي قالت ذلك لفرعون، والذين أشاروا بقتله لا يشعرون بمقالتها له واستعطاف قلبه عليه، لئلا يغروه بقتله.
وقال الزمخشري : تقدير الكلام : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً، وقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ كذا، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه. وقوله : إِنَّ فِرْعَوْنَ الآية، جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم. انتهى. ومتى أمكن حمل الكلام على ظاهره من غير فصل كان أحسن.
أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ، فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ، وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ