البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٩٠
عطف عليه وتبناه. إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بأنه ولدها، لأنها لم تملك نفسها فرحا وسرورا بما سمعت، لو لا أنا ظلمنا قلبها وسكّنّا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج. لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الواثقين بوعد اللّه، لا بتبني فرعون وتعطفه. انتهى. وما ذهب إليه الزمخشري من تجويز كونه فارغا من الهم إلى آخره، خلاف ما فهمه المفسرون من الآية، وجواب لو لا محذوف تقديره : لكادت تبدي به، ودل عليه قوله : إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ، وهذا تشبيه بقوله : وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ «١».
وَقالَتْ لِأُخْتِهِ، طمعا منها في التعرف بحاله. قُصِّيهِ : أي اتبعي أثره وتتبعي خبره.
فروي أنها خرجت في سكك المدينة مختفية، فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يتطلبون له امرأة ترضعه، حين لم يقبل المراضع، واسم أخته مريم
، وقيل : كلثمة، وقيل :
كلثوم، وفي الكلام حذف، أي فقصت أثره. فَبَصُرَتْ بِهِ : أي أبصرته عَنْ جُنُبٍ، أي عن بعد وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بتطلبها له ولا بإبصارها. وقيل : معنى عَنْ جُنُبٍ :
عن شوق إليه، حكاه أبو عمرو بن العلاء وقال : هي لغة جذام، يقولون : جنبت إليك :
اشتقت. وقال الكرماني : جنب صفة لموصوف محذوف، أي عن مكان جنب، يريد بعيد.
وقيل : عن جانب، لأنها كانت تمشي على الشط، وهم لا يشعرون أنها تقص. وقيل :
لا يشعرون أنها أخته. وقيل : لا يشعرون أنه عدو لهم، قاله مجاهد. وقرأ الجمهور : عن جنب، بضمتين. وقرأ قتادة : فبصرت، بفتح الصاد وعيسى : بكسرها. وقرأ قتادة، والحسن، والأعرج، وزيد بن علي : جنب، بفتح الجيم وسكون النون. وعن قتادة :
بفتحهما أيضا. وعن الحسن : بضم الجيم وإسكان النون. وقرأ النعمان بن سالم : عن جانب، والجنب والجانب والجنابة والجناب بمعنى واحد. وقال قتادة : معنى عن جنب :
أنها تنظر إليه كأنها لا تريده. والتحريم هنا بمعنى المنع، أي منعناه أن يرضع ثدي امرأة والمراضع جمع مرضع، وهي المرأة التي ترضع أو جمع مرضع، وهو موضع الرضاع، وهو الثدي، أو الإرضاع. مِنْ قَبْلُ : أي من أول أمره. وقيل : من قبل قصها أثره وإتيانه على من هو عنده.
فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ : أي أرشدكم إلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ، لكونهم فيهم شفقة ورحمة لمن يكفلونه وحسن تربية. ودل قوله :

(١) سورة يوسف : آية ٢٤.


الصفحة التالية
Icon