البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٩٥
مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ
، قيل : هو مؤمن آل فرعون، وكان ابن عم فرعون. قال الكلبي :
واسمه جبريل بن شمعون. وقال الضحاك : شمعون بن إسحاق. وقيل : هو غير مؤمن آل فرعون. يَسْعى : يشتد في مشيه. ولما أمر فرعون بقتله، خرج الجلاوزة من الشارع الأعظم لطلبه، فسلك هذا الرجل طريقا أقرب إلى موسى. ومن أقصى المدينة، ويسعى :
صفتان، ويجوز أن يكون يسعى حالا، ويجوز أن يتعلق من أقصى بجاء. قال الزمخشري :
وإذا جعل، يعني، من أقصى حالا، لجاء لم يجز في يسعى إلّا الوصف. انتهى. يعني :
أن رجلا يكون نكرة لم توصف، فلا يجوز منها الحال، وقد أجاز ذلك سيبويه في كتابه من غير وصف. قال : إِنَّ الْمَلَأَ، وهم وجوه أهل دولة فرعون، يَأْتَمِرُونَ : يتشاورون، قال الشاعر، وهو النمر بن تولب :
أرى الناس قد أحدثوا شيمة وفي كل حادثة يؤتمر
وقال ابن قتيبة : يأمر بعضهم بعضا بقوله، من قوله تعالى : وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ «١». فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ. ولك : متعلق إما بمحذوف، أي ناصح لك من الناصحين، أو بمحذوف على جهة البيان، أي لك أعني، أو بالناصحين، وإن كان في صلة أل، لأنه يتسامح في الظرف والمجرور ما لا يتسامح في غيرهما. وهي ثلاثة أقوال للنحويين فيما أشبه هذا، فامتثل موسى ما أمره به ذلك الرجل، وعلم صدقه ونصحه، وخرج وقد أفلت طالبيه فلم يجدوه. وكان موسى لا يعرف ذلك الطريق، ولم يصحب أحدا، فسلك مجهلا، واثقا باللّه تعالى، داعيا راغبا إلى ربه في تنجيته من الظالمين.
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ، وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ. فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ

(١) سورة الطلاق : ٦٥/ ٦.


الصفحة التالية
Icon