البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٩٨
إلى ظل جدار لا سقف له. وقيل : جعل ظهره يلي ما كان يلي وجهه من الشمس. فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، قال المفسرون : تعرض لما يطعمه، لما ناله من الجوع، ولم يصرح بالسؤال وأنزلت هنا بمعنى تنزل. وقال الزمخشري : وعدى باللام فقير، لأنه ضمن معنى سائل وطالب. ويحتمل أن يريد، أي فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين، وهو النجاة من الظالمين، لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة، قال ذلك رضا بالبدل السني وفرحا به وشكرا له. وقال الحسن : سأل الزيادة في العلم والحكمة..
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ : في الكلام حذف، والتقدير : فذهبتا إلى أبيهما من غير إبطاء في السقي، وقصتا عليه أمر الذي سقى لهما، فأمر إحداهما أن تدعوه له. فَجاءَتْهُ إِحْداهُما. قرأ ابن محيصن : فجاءته إحداهما، بحذف الهمزة، تخفيفا على غير قياس، مثل : ويل امه في ويل أمه، ويا با فلان، والقياس أن يجعل بين بين، وإحداهما مبهم. فقيل : الكبرى، وقيل : كانتا توأمتين، ولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار. وعلى استحياء : في موضع الحال، أي مستحيية متحفزة. قال عمر بن الخطاب : قد سترت وجهها بكم درعها والجمهور : على أن الداعي أباهما هو شعيب عليه السلام، وهما ابنتاه. وقال الحسن : هو ابن أخي شعيب، واسمه مروان. وقال أبو عبيدة : هارون.
وقيل : هو رجل صالح ليس من شعيب ينسب. وقيل : كان عمهما صاحب الغنم، وهو المزوج، عبرت عنه بالأب، إذ كان بمثابته. لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا، في ذلك ما كان عليه شعيب من الإحسان والمكافأة لمن عمل له عملا، وإن لم يقصد العالم المكافأة.
فَلَمَّا جاءَهُ : أي فذهب معهما إلى أبيهما، وفي هذا دليل على اعتماد أخبار المرأة، إذ ذهب معها موسى، كما يعتمد على أخبارها في باب الرواية. وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ : أي ما جرى له من خروجه من مصر، وسبب ذلك. قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : أي قبل اللّه دعاءك في قولك : رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، أو أخبره بنجاته منهم، فأنسه بقوله : لا تَخَفْ،
وقرب إليه طعاما، فقال له موسى : إنا أهل بيت، لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبا، فقال له شعيب : ليس هذا عوض السقي، ولكن عادتي وعادة آبائي قري الضيف وإطعام الطعام فحينئذ أكل موسى عليه السلام.
قالَتْ إِحْداهُما : أبهم القائلة، وهي الذاهبة والقائلة والمتزوجة، يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ : أي لرعي الغنم وسقيها. ووصفته بالقوة : لكونه رفع الصخرة عن البئر وحده،