البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٠٢
والشجرة عناب، أو عليق، أو سمرة، أو عوسج، أقوال. وأن : يحتمل أن تكون حرف تفسير، وأن تكون مخففة من الثقيلة. وقرأت فرقة : إِنِّي أَنَا، بفتح الهمزة، وفي إعرابه إشكال، لأن إن، إن كانت تفسيرية، فينبغي كسر إني، وإن كانت مصدرية، تتقدر بالمفرد، والمفرد لا يكون خبرا لضمير الشأن، فتخريج هذه القراءة على أن تكون إن تفسيرية، وإني معمول لمضمر تقديره : إني يا موسى أعلم إني أنا اللّه.
وجاء في طه : نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ «١»، وفي النمل : نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ «٢»، وهنا : نُودِيَ مِنْ شاطِئِ، ولا منافاة، إذ حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه ذلك النداء. والجمهور : على أنه تعالى كلمه في هذا المقام من غير واسطة.
وقال الحسن : ناداه نداء الوحي، لا نداء الكلام. وتقدم الكلام على نظير قوله : وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ، ثم أمره فقال : اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، وهو فتح الجبة من حيث تخرج الرأس، وكان كم الجبة في غاية الضيق. وتقدّم الكلام على : تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وفسر الجناح هنا باليد وبالعضد وبالعطاف، وبما أسفل من العضد إلى الرسغ، وبجيب مدرعته. والرهب : الخوف، وتأتي القراءات فيه. وقيل : بفتح الراء والهاء : الكم، بلغة بني حنيفة وحمير، وسمع الأصمعي قائلا يقول : اعطني ما في رهبك، أي في كمك، والظاهر حمل : وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ على الحقيقة.
قال الثوري : خاف موسى أن يكون حدث به سوء، فأمره تعالى أن يعيد يده إلى جيبه لتعود على حالتها الأولى، فيعلم موسى أنه لم يكن سوءا بل آية من اللّه.
وقال مجاهد، وابن زيد : أمره بضم عضده وذراعه، وهو الجناح، إلى جنبه، ليخفف بذلك فزعه. ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في وقت فزعه أن يقوي قلبه. وقيل : لما انقلبت العصا حية، فزع موسى واضطرب، فاتقاها بيده، كما يفعل الخائف من الشيء، فقيل له : أدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها، ثم أخرجها بيضاء لتظهر معجزة أخرى
، وهذا القول بسطه الزمخشري، لأنه كالتكرار لقوله : اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ. وقد قال هو والجناح هنا اليد، قال : لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى، فقد ضم جناحه إليه. وقيل : المعنى إذا هالك أمر لما يغلب من شعاعها، فاضممها إليك تسكن. وقالت فرقة : هو مجاز أمره بالعزم على ما أمره به، كما تقول العرب : أشدد
(٢) سورة النمل : ٢٧/ ٨.