البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣١٢
للعرب أصل في أيام موسى، فمعناه على هذا : أو لم يكفر آباؤهم؟ قالوا في موسى وهارون : سِحْرانِ تَظاهَرا، أي تعاونا. انتهى. ومن قيل : يحتمل أن يتعلق ب يَكْفُرُوا، وبِما أُوتِيَ. وقرأ الجمهور : ساحران.
قال مجاهد : موسى وهارون.
وقال الحسن : موسى وعيسى.
وقال ابن عباس : موسى ومحمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال الحسن أيضا : عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
وقرأ عبد اللّه، وزيد بن علي، والكوفيون : سحران. قال ابن عباس :
التوراة والقرآن. وقيل : التوراة والإنجيل، أو موسى وهارون جعلا سحرين على سبيل المبالغة. تَظاهَرا : تعاونا. قرأ الجمهور : تظاهرا : فعلا ماضيا على وزن تفاعل.
وقرأ طلحة، والأعمش : اظاهرا، بهمزة الوصل وشد الظاء، وكذا هي في حرف عبد اللّه، وأصله تظاهرا، فأدغم التاء في الظاء، فاجتلبت همزة الوصل لأجل سكون التاء المدغمة.
وقرأ محبوب عن الحسن، ويحيى بن الحارث الذماري، وأبو حيوة، وأبو خلاد عن اليزيدي : تظاهرا بالتاء، وتشديد الظاء. قال ابن خالويه : وتشديده لحن لأنه فعل ماض، وإنما يشدد في المضارع. وقال صاحب اللوامح : ولا أعرف وجهه. وقال صاحب الكامل في القراءات : ولا معنى له. انتهى. وله تخريج في اللسان، وذلك أنه مضارع حذفت منه النون، وقد جاء حذفها في قليل من الكلام وفي الشعر، وساحران خبر مبتدأ محذوف تقديره : أنتما ساحران تتظاهران ثم أدغمت التاء في الظاء وحذفت النون، وروعي ضمير الخطاب. ولو قرىء : يظاهرا، بالياء، حملا على مراعاة ساحران، لكان له وجه، أو على تقدير هما ساحران تظاهرا.
وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ : أي بكل من الساحرين أو السحرين، ثم أمره تعالى أن يصدع بهذه الآية، وهي قوله : قُلْ فَأْتُوا : أي أنتم أيها المكذبون، بهذه الكتب التي تضمنت الأمر بالعبادات ومكارم الأخلاق، ونهت عن الكفر والنقائص، ووعد اللّه عليها الثواب الجزيل. إن كان تكذيبكم لمعنى فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يهدي أكثر من هدي هذه، أتبعه معكم. والضمير في منها عائد على ما أنزل على موسى، وعلى محمد صلى اللّه عليهما وسلم، وتعليق إتيانهم بشرط الصدق أمر متحقق متيقن، أنه لا يكون ولا يمكن صدقهم، كما أنه لا يمكن أن يأتوا بكتاب من عند اللّه يكون أهدى من الكتابين. ويجوز أن يراد بالشرط التهكم بهم. وقرأ زيد بن علي : أتبعه، برفع العين الاستئناف، أي أنا أتبعه.
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ، قال ابن عباس : يريد فإن لم يؤمنوا بما جئت به من الحجج، ولم يمكنهم أن يأتوا بكتاب هو أفضل، والاستجابة تقتضي دعاء، وهو صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو دائما إلى