البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٢١
بيت عنترة أن يكون في كان ضمير الشأن. فأما في الآية، فقال ابن عطية : تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف. قال ابن عطية : ويتجه عندي أن تكون ما مفعولة، إذا قدرنا كان تامة، أي أن اللّه تعالى يختار كل كائن، ولا يكون شيء إلا بإذنه. وقوله : لَهُمُ الْخِيَرَةُ : جملة مستأنفة معناها : تعديد النعمة عليهم في اختيار اللّه لهم، لو قبلوا وفهموا.
انتهى. يعني : واللّه أعلم خيرة اللّه لهم، أي لمصلحتهم. والخيرة من التخير، كالطيرة من التطير، يستعملان بمعنى المصدر والجمل التي بعد هذا تقدم الكلام عليها. والحمد في الآخرة قولهم : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ «١»، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ «٢»، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «٣»، والتحميد هنالك على سبيل اللذة، لا التكليف. وفي الحديث :«يلهمون التسبيح والتقديس».
وقرأ ابن محيصن : ما تكن، بفتح التاء وضم الكاف.
وَلَهُ الْحُكْمُ : أي القضاء بين عباده والفصل. وأَ رَأَيْتُمْ : بمعنى أخبروني، وقد يسلط على الليل أَرَأَيْتُمْ وجَعَلَ، إذ كل منهما يقتضيه، فأعمل الثاني. وجملة أرأيتم الثانية هي جملة الاستفهام، والعائد على الليل محذوف تقديره : من إله غير اللّه يأتيكم بضياء بعده، ولا يلزم في باب التنازع أن يستوي المتنازعان في جهة التعدي مطلقا، بل قد يختلف الطلب، فيطلبه هذا على جهة الفاعلية، وهذا على جهة المفعولية، وهذا على جهة المفعول، وهذا على جهة الظرف. وكذلك أرأيتم ثاني مفعولية جملة استفهامية غالبا، وثاني جعل إن كانت بمعنى صير لا يكون استفهاما، وإن كانت بمعنى خلق وأوجد وانتصب ما بعد مفعولها، كان ذلك المنتصب حالا. وسَرْمَداً، قيل : من السرمد، فميمه زائدة، ووزنه فعمل، ولا يزاد وسطا ولا آخرا بقياس، وإنما هي ألفاظ تحفظ مذكورة في علم التصريف. وأتى بِضِياءٍ، وهو نور الشمس، ولم يجيء التركيب بنهار يتصرفون فيه، كما جاء بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ، لأن منافع الضياء متكاثرة، ليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة، ومن ثم قرن بالضياء. أَفَلا تَسْمَعُونَ؟ لأن السمع يدرك ما يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل. أَفَلا تُبْصِرُونَ؟ لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه، قال الزمخشري. ومِنْ رَحْمَتِهِ، من هنا للسبب، أي وبسبب رحمته إياكم، جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ، ثم علل
(٢) سورة الزمر : ٣٩/ ٧٤.
(٣) سورة الفاتحة : ١/ ٢.