البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٢٣
الأمة، لأنه هو الشهيد عليها، كما قال : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا؟ وقيل : عدولا وخيارا. والشهيد على هذا اسم الجنس، والشهيد يشهد على تلك الأمّة بما صدر منها، وما أجابت به لما دعيت إلى التوحيد، وأنه قد بلغهم رسالة ربهم. فَقُلْنا : أي للملأ، هاتُوا بُرْهانَكُمْ : أي حجتكم فيما كنتم عليه في الدنيا من الكفر ومخالفة هذا الشهيد، فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ، لا لأصنامهم وما عبدوا من دون اللّه.
وَضَلَّ عَنْهُمْ : أي وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع، ما كانُوا يَفْتَرُونَ من الكذب والباطل.
وقارون أعجمي : منع الصرف للعجمة والعلمية. وقيل : ومعنى كان من قومه : أي ممن آمن به. قال ابن عطية : وهو إسرائيلي بإجماع. انتهى. واختلف في قرابته من موسى عليه السلام، اختلافا مضطربا متكاذبا، وأولاها : ما قاله ابن عباس أنه ابن عمه، وهو قارون ابن يصهر بن قاهث، جد موسى، لأن النسابين ذكروا نسبه كذلك، وكان يسمى المنور لحسن صورته، وكان أحفظ بني إسرائيل للتوراة وأقرأهم، فنافق كما نافق السامري.
فَبَغى عَلَيْهِمْ : ذكروا من أنواع بغيه الكفر والكبر، وحسده لموسى على النبوة، ولهارون على الذبح والقربان، وظلمه لبني إسرائيل حين ملكه فرعون عليهم، ودسه بغيا تكذب على موسى أنه تعرض لها، وتفضحه بذلك في ملأ من بني إسرائيل، ومن تكبره أن زاد في ثيابه شبرا. وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ، قيل : أظفره اللّه بكنز من كنوز يوسف عليه السلام.
وقيل : سميت أمواله كنوزا، إذ كان ممتنعا من أداء الزكاة، وبسبب ذلك عادى موسى عليه السلام أول عداوته. وما موصوله، صلتها إن ومعمولاها. وقال النحاس : سمعت علي بن سليمان، يعني الأخفش الصغير، يقول : ما أقبح ما يقوله الكوفيون في الصلات، أنه لا يجوز أن تكون صلة الذي إن وما عملت فيه، وفي القرآن : ما إِنَّ مَفاتِحَهُ. انتهى.
وتقدم الكلام في مفاتح في سورة الأنعام، وقالوا هنا : مقاليد خزائنه. وقال السدي : هي الخزائن نفسها. وقال الضحاك : ظروفه وأوعيته. وقرأ الأعمش : مفاتيحه، بياء، جمع مفتاح، وذكروا من كثرة مفاتحه ما هو كذب، أو يقارب الكذب، فلم أكتبه. قال أبو زيد :
نؤت بالعمل إذا نهضت به. قال الشاعر :
إذا وجدنا خلفا بئس الخلف عبدا إذا ما ناء بالحمل وقف
ويقول : ناء ينوء، إذا نهض بثقل. قال الشاعر :
تنوء بأحراها فلأيا قيامها وتمشي الهوينا عن قريب فتبهر