البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٣٨
هذه السورة مكية، قاله جابر وعكرمة والحسن. وقال ابن عباس، وقتادة : مدنية.
وقال يحيى بن سلام : مكية إلا من أولها إلى وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ، ونزل أوائلها في مسلمين بمكة كرهوا الجهاد حين فرض بالمدينة، قاله السدي أو في عمار ونظرائه ممن كان يعذب في اللّه، قاله ابن عمر أو في مسلمين كان كفار قريش يؤذونهم، قاله مجاهد، وهو قريب مما قبله أو في مهجع مولى عمر، قتل ببدر فجزع أبواه وامرأته عليه، وقال فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة»
أو في عياش أخي أبي جهل، غدر فارتد.
والنَّاسُ : فسر بمن نزلت فيه الآية. وقال الحسن : الناس هنا المنافقون، أي أن يتركوا لمجرد قولهم آمنا. وحسب يطلب مفعولين. فقال الحوفي، وابن عطية، وأبو البقاء : سدت أن وما بعدها من معمولها مسد القولين، وأجاز الحوفي وأبو البقاء أن يقولوا بدلا من أن يتركوا. وأن يكونوا في موضع نصب بعد إسقاط الخافض، وقدروه بأن يقولوا ولأن يقولوا. وقال ابن عطية، وأبو البقاء : وإذا قدرت الباء كان حالا. قال ابن عطية :
والمعنى في الباء واللام مختلف، وذلك أنه في الباء كما تقول : تركت زيدا بحاله، وهي في اللام بمعنى من أجل، أي حسبوا أن إيمانهم علة للترك تفسير معنى، إذ تفسير الأعراب حسبانهم أن الترك لأجل تلفظهم بالإيمان. وقال الزمخشري : فإن قلت : فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان؟ قلت : هو في قوله : أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وذلك أن تقديره حسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا، فالترك أول مفعولي حسب، ولقولهم آمنا هو الخبر، وأما غير مفتونين فتتمة للترك، لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير، كقوله :
فتركته جزر السباع ينشنه ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول : تركتهم غير مفتونين، لقولهم آمنا، على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام؟ فإن قلت : أَنْ يَقُولُوا هو علة تركهم غير مفتونين، فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ؟ قلت : كما تقول : خروجه لمخافة الشر وضربه للتأديب، وقد كان التأديب والمخافة في قوله : خرجت مخافة الشر وضربته تأديبا، تعليلين.
وتقول أيضا : حسبت خروجه لمخافة الشر وظننت ضربه للتأديب، فتجعلها مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبرا. انتهى، وهو كلام فيه اضطراب.
ذكر أولا أن تقديره غير مفتونين تتمة، يعني أنه حال، لأنه سبك ذلك من قوله :