البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٤١
مسند ومسند إليه سد مسد المفعولين، كقولهم : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ «١». ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر، وأم منقطعة. ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان الأول، لأن ذلك يقدر أن لا يمتحن لإيمانه، وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه. انتهى.
أمّا قوله : وهو لم يطمعوا في الفوت، إلى آخر قوله : ويطمع فيه، فليس كما ذكر، بل هم معتقدون أن لا بعث ولا جزاء، ولا سيما السرية التي نص عليها ابن عباس، وما ذكره، كما الزمخشري، هو على اعتقاد من يعلم أن اللّه يجازيه، ولكن طمع في عفو اللّه.
وأما قوله : اشتمال صلة أن، إلى آخره، فقد كان ينبغي أن يقدر ذلك في قوله : أَنْ يُتْرَكُوا، فيجعل ذلك سد مسد المفعولين، ولم يقدر ما لا يصح تقديره، وأمّا قوله :
ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر، فتعين إن أن وما بعدها في موضع مفعول واحد، والتضمين ليس بقياس، ولا يصار إليه إلا عند الحاجة إليه، وهذا لا حاجة إليه.
ساءَ ما يَحْكُمُونَ، قال الزمخشري، وابن عطية ما معناه : أن ما موصولة ويَحْكُمُونَ صلتها، أو تمييز بمعنى شيء، ويحكمون صفة، والمخصوص بالذم محذوف، فالتقدير : أي حكمهم. انتهى. وفي كون ما موصولة مرفوعة بساء، أو منصوبة على التمييز خلاف مذكور في النحو. وقال ابن كيسان : ما مصدرية، فتقديره : بئس حكمهم. وعلى هذا القول يكون التمييز محذوفا، أي ساء حكما حكمهم. وساء هنا بمعنى : بئس، وتقدم حكم بئس إذا اتصل بها ما، والفعل في قوله : بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ «٢» مشبعا في البقرة. وجاء بالمضارع، وهو يَحْكُمُونَ، قيل : إشعارا بأن حكمهم مذموم حالا واستقبالا، وقيل : لأجل الفاصلة وقع المضارع موقع الماضي اتساعا.
والظاهر أن يَرْجُوا على بابها، ومعنى لِقاءَ اللَّهِ : الوصول إلى عاقبة الأمر من الموت والبعث والجزاء مثلت حاله بحالة عبد قدم على مولاه من سفر بعيد، وقد اطلع مولاه على ما عمل في غيبته عنه، فإن كان عمل خيرا، تلقاه بإحسان أو شرا، فبضد الإحسان.
فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ : وهو ما أجله وجعل له أجلا، لا نفسه لا محالة، فليبادر لما يصدق رجاءه. وقال أبو عبيدة : يرجو : يخاف، ويظهر أن جواب الشرط محذوف، أي مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ، فليبادر بالعمل الصالح الذي يحقق رجاءه، فإن ما أجله اللّه تعالى من لقاء جزائه لآت. والظاهر أن قوله : وَمَنْ جاهَدَ، معناه : ومن جاهد نفسه بالصبر على
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢١٤.
(٢) سورة البقر : ٢/ ١٠٢.