البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٤٣
وعلى هذا التقدير يكون الأصل بخير، وهو المفعول الثاني. والباء في بوالديه وفي بالحماة وبالكلب ظرفية بمعنى في، أي وصينا الإنسان في أمر والديه بخير. قال ابن عطية :
ويحتمل أن يكون المفعول الثاني في قوله : بِوالِدَيْهِ، وينتصب حُسْناً بفعل مضمر تقديره : يحسن حسنا، وينتصب انتصاب المصدر. وفي التحرير : حسنا نصب عند البصريين على التكرير، أي وصيناه حسنا، وقيل : على القطع، تقديره : ووصينا بالحسن، كما تقول : وصيته خيرا، أي بالخير، ويعني بالقطع عن حرف الجر، فانتصب. وقال أهل الكوفة : ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا، فيقدر له فعل. انتهى. وفي هذا القول حذف أن وصلتها وإبقاء المعمول، وهو لا يجوز عند البصريين. وقال الزمخشري : وصيناه بإيتاء والديه حسنا، أو نائلا والديه حسنا، أي فعلا ذا حسن، وما هو في ذاته حسن لفرط حسنه، كقوله : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً «١». انتهى. وهذا التقدير فيه إعمال المصدر محذوفا وإبقاء معموله، وهو لا يجوز عند البصريين. قال الزمخشري : ويجوز أن يجعل حسنا من باب قولك : زيدا، بإضمار اضرب إذا رأيته متهيأ للضرب، فتنصبه بإضمار أولهما، أو افعل بهما، لأن الوصية بهما دالة عليه، وما بعده مطابق له، فكأنه قال : قلنا أولهما معروفا. وقرأ عيسى، والجحدري : حسنا، بفتحتين والجمهور : بضم الحاء وإسكان السين، وهما كالبخل والبخل. وقال أبو الفضل الرازي : وانتصابه بفعل دون التوصية المقدمة، لأنها قد أخذت مفعوليها معا مطلقا ومجرورا، فالحسن هنا صفة أقيم مقام الموصوف بمعنى : أمر حسن. انتهى، أي أمرا حسنا، حذف أمرا وأقيم حسن مقامه. وقوله : مطلقا، عنى به الإنسان، وفيه تسامح، بل هو مفعول به والمطلق إنما هو المصدر، لأنه مفعول لم يقيد من حيث التفسير بأداة جر، بخلاف سائر المفاعيل، فإنك تقول : مفعول به، ومفعول فيه، ومفعول معه، ومفعول له وفي مصحف أبي : إحسانا.
وَإِنْ جاهَداكَ : أي وقلنا : إن جاهداك ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ : أي بإلهيته، فالمراد بنفي العلم نفي المعلوم، أي لِتُشْرِكَ به شيئا، لا يصح أن يكون إلها ولا يستقيم، فَلا تُطِعْهُما فيما جاهداك عليه من الإشراك إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ : شامل للموصي والموصى والمجاهد والمجاهد، فَأُنَبِّئُكُمْ : فأجازيكم، بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :
من بر، أو عقوق، أو طاعة، أو عصيان. وكرر تعالى ما رتب للمؤمنين من دخولهم فِي الصَّالِحِينَ، ليحرك النفوس إلى نيل مراتبهم. ومعنى فِي الصَّالِحِينَ : في جملتهم،

(١) سورة البقرة : ٢/ ٨٣.


الصفحة التالية
Icon