البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٥٣
وقيل : إلى حيث لا أمنع عباده ربي. وقيل : مهاجرا من خالفني من قومي، متقربا إلى ربي. ونزل إبراهيم قرية من أرض فلسطين، وترك لوطا في سدوم، وهي المؤتفكة، على مسيرة يوم وليلة من قرية إبراهيم عليهما السلام. إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يذل من عبده، الْحَكِيمُ الذي يضع الأشياء مواضعها. والضمير في ذُرِّيَّتِهِ عائد على إبراهيم.
النُّبُوَّةَ : إسحاق، ويعقوب، وأنبياء بني إسرائيل، وإسماعيل، ومحمد خاتمهم، صلى اللّه وسلم عليهم أجمعين. وَالْكِتابَ : اسم جنس يدخل فيه التوراة، والزبور، والإنجيل، والفرقان.
وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا : أي في حياته قال مجاهد : نجاته من النار، ومن الملك الجبار، والعمل الصالح : والثناء الحسن، بحيث يتولاه كل أمة وقال ابن جريج : والولد الذي قرت به عينه، قاله الحسن. وقال السدي : إنه رأى مكانه من الجنة. وقال ابن أبي بردة : ما وفق له من عمل الآخرة. وقال الماوردي : بقاء ضيافته عند قبره، وليس ذلك لنبي غيره. وقيل : النبوة والحكمة. وقيل : الصلاة عليه إلى آخر الدهر. وانتصب لوطا بإضمار اذكر، أو بالعطف على إبراهيم، أو بالعطف على ما عطف عليه إبراهيم. والجمهور : على الاستفهام في أئنكم معا. وقرىء : أنكم على الخبر، والثاني على الاستفهام. وقال أبو عبيد : وجدته في الإمام بحرف واحد بغير ياء، ورأيت الثاني بحرفين، الياء والنون. ولم يأت في قصة لوط أنه دعا قومه إلى عبادة اللّه، كما جاء في قصة إبراهيم وقصة شعيب، لأن لوطا كان من قوم إبراهيم وفي زمانه، وسبقه إبراهيم إلى الدعاء لعبادة اللّه وتوحيده، واشتهر أمره بذلك عند الخلق، فذكر لوط ما اختص به من المنع من الفحشاء وغيرها. وأما أبراهيم وشعيب فجاءا بعد انقراض من كان يعبد اللّه، فلذلك دعوا إلى عبادة اللّه.
قال الزمخشري : ما سَبَقَكُمْ بِها جملة مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة، كأن قائلا قال : لم كانت فاحشة؟ فقيل : لأن أحدا قبلهم لم يقدم عليها اشمئزازا منها في طباعهم لإفراط قبحها، حتى قدم عليها قوم لوط لخبث طينتهم، قالوا : لم ينز ذكر على ذكر قبل قوم لوط. انتهى. ويظهر أن ما سَبَقَكُمْ بِها جملة حالية، كأنه قال : أتأتون الفاحشة مبتدعين لها غير مسبوقين بها؟ واستفهم أولا وثانيا استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع، وبين ما تلك الفاحشة المبهمة في قوله : إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ، وإن كانت معينة أنها إتيان الذكور في الأدبار بقوله : ما سَبَقَكُمْ بِها، فقال : أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ : يعني في الأدبار، وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ : الولد، بتعطيل الفرج ووطء أدبار الرجال، أو بإمساك الغرباء


الصفحة التالية
Icon