البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٦٠
وتفرغه إلا من اللّه. وأما ما لا يجاوز اللسان ففي ركبة رتبة أخرى. وقال الزمخشري : يريد والصلاة أكبر من غيرها من الطاعات، وسماها بذكر اللّه، كما قال : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ «١»، وإنما قال : وَلَذِكْرُ اللَّهِ، لتستقل بالتعليل، كأنه قال : والصلاة أكبر، لأنها ذكر اللّه مما تصنعون من الخير والشر فيجازيكم، وفيه وعيد وحث على المراقبة.
وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ، وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ، بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ، وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ، وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ، يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
وأَهْلَ الْكِتابِ : اليهود والنصارى. إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : من الملاطفة في الدعاء إلى اللّه والتنبيه على آياته. إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا : ممن لم يؤد جزية ونصب الحرب، وصرح بأن للّه ولدا أو شريكا، أو يده مغلولة فالآية منسوخة في مهادنة من لم يحارب، قاله مجاهد ومؤمنو أهل الكتاب. إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : أي بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أوائلهم. إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا : من بقي منهم على كفره، وعد لقريظة والنضير، قاله ابن زيد، والآية على هذا محكمة. وقيل : إلا الذين آذوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال قتادة : الآية منسوخة بقوله : قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ «٢» الآية. وقرأ الجمهور : إلا، حرف استثناء وابن عباس : ألا، حرف تنبيه واستفتاح، وتقديره : ألا جادلوهم بالتي هي أحسن. وَقُولُوا آمَنَّا : هذا من المجادلة بالأحسن. بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا، وهو القرآن، وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وهو التوراة والزبور والإنجيل.
(٢) سورة التوبة : ٩/ ٢٩.