البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٦٤
أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ، وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.
أكثر المفسرين ذهبوا إلى أن قوله : يا عِبادِيَ
الآية، نزلت فيمن كان مقيما بمكة أمروا بالهجرة عنها إلى المدينة، أي جانبوا أهل الشرك، واطلبوا أهل الإيمان. وقال أبو العالية : سافروا لطلب أوليائه. وقال ابن جبير، وعطاء، ومجاهد، ومالك بن أنس : الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية، ويلزم الهجرة عنها إلى بلد حق. وقال مطرف بن الشخير : إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ
عدة بسعة الرزق في جميع الأرض. وقيل : أرض الجنة واسعة أعطيكم. وقال مجاهد : سافروا لجهاد أعدائه. فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
، من باب الاشتغال : أي فإياي اعبدوا فاعبدون. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى الفاء في فاعبدون، وتقدم المفعول؟ قلت : الفاء جواب شرط محذوف، لأن المعنى : إن أرضي واسعة، فإن لم تخلصوا العبادة في أرض، فاخلصوها في غيرها. ثم حذف الشرط وعوض من حذفه تقديم المفعول، مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص. انتهى. ويحتاج هذا الجواب إلى تأمل.
ولما أخبر تعالى بسعة أرضه، وكان ذلك إشارة إلى الهجرة، وأمر بعبادته، فكأن قد يتوهم متوهم أنه إذا خرج من أرضه التي نشأ فيها لأجل من حلها من أهل الكفر إلى دار الإسلام، لا يستقيم له فيها ما كان يستقيم له في أرضه، وربما أدى ذلك إلى هلاكه. أخبر أن كل نفس لها أجل تبلغه، وتموت في أي مكان حل، وأن رجوع الجمع إلى أجزائه يوم القيامة. وقرأ علي : تُرْجَعُونَ، مبنيا للفاعل
والجمهور : مبينا للمفعول، بتاء الخطاب. وروي عن عاصم : بياء الغيبة. وقرأ أبو حيوة : ذائِقَةُ، بالتنوين الْمَوْتِ : بالنصب. وقرأ : لَنُبَوِّئَنَّهُمْ، من المباءة. وقرأ علي، وعبد اللّه، والربيع بن خيثم، وابن وثاب، وطلحة، وزيد بن علي، وحمزة، والكسائي : من الثواء وبوّأ يتعدى لاثنين.
قال تعالى : تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ «١»، وقد جاء متعديا باللام. قال تعالى : وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ «٢»، والمعنى : ليجعلنّ لهم مكان مباءة، أي مرجعا يأوون إليه. غُرَفاً : أي علالي، وأما ثوى فمعناه : أقام، وهو فعل لازم، فدخلت عليه همزة التعدية فصار يتعدى إلى واحد، وقد قرىء مشددا عدى بالتضعيف، فانتصب

(١) سورة آل عمران : ٣/ ٢١/ ١.
(٢) سورة الحج : ٢٢/ ٢٦.


الصفحة التالية
Icon