البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٨٤
لا يكن برقك برقا خلبا إن خير البرق ما الغيث معه
وقال ابن سلام : خوفا من البرد أن يهلك الزرع، وطمعا في المطر أن يحييه. وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ : أن تثبت وتمسك، مثل : وإذا أظلم عليهم قاموا : أي ثبتوا بأمره، أي بإرادته.
وإذا الأولى للشرط، والثانية للمفاجأة جواب الشرط، والمعنى : أنه لا يتأخر طرفة عين خروجكم عن دعائه، كما يجيب الداعي المطيع مدعوه، كما قال الشاعر :
دعوت كليبا دعوة فكأنما دعوت قرين الطود أو هو أسرع
قرين الطود : الصدا، أو الحجران أيد هذا. والطود : الجبل. والدعوة : البعث من القبور، ومِنَ الْأَرْضِ يتعلق بدعاكم، ودَعْوَةً : أي مرة، فلا يحتاج إلى تكرير دعاءكم لسرعة الإجابة. وقيل : مِنَ الْأَرْضِ صفة لدعوة. وقال ابن عطية : ومن عندي هنا لأنتهاء الغاية، كما يقول : دعوتك من الجبل إذا كان المدعو في الجبل. انتهى. وكون من لأنتهاء الغاية قول مردود عند أصحابنا. وعن نافع ويعقوب : أنهما وقفا على دعوة، وابتدا من الأرض. إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ علقا من الأرض بتخرجون، وهذا لا يجوز، لأن فيه الفصل بين الشرط وجوابه، بالوقف على دعوة فيه إعمال ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها، وهو لا يجوز. وقال الزمخشري : وقوله : إِذا دَعاكُمْ بمنزلة قوله : يُرِيكُمُ في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى، كأنه قال : ومن آياته قيام السموات والأرض، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة : يا أهل القبور أخرجوا، وإنما عطف هذا على قيام السموات والأرض بثم، بيانا لعظيم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله، وهو أن يقول : يا أهل القبور قوموا، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر. انتهى.
وقرأ حمزة والكسائي : تخرجون، بفتح التاء وضم الراء وباقي السبعة : بضمها وفتح الراء.
وبدأ أولا من الآيات بالنشأة الأولى، وهي خلق الإنسان من التراب، ثم كونه بشرا منتشرا، وهو خلق حي من جماد، ثم أتبعه بأن خلق له من نفسه زوجا، وجعل بينهما تواد، وذلك خلق حي من عضو حي. وقال : لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، لأن ذلك لا يدرك إلا بالفكر في تأليف بين شيئين لم يكن بينهما تعارف، ثم أتبعه بما هو مشاهد للعالم كلهم، وهو خلق السموات والأرض، واختلاف اللغات والألوان، والاختلاف من لوازم الإنسان لا يفارقه.
وقال : لِلْعالِمِينَ، لأنها آية مكشوفة للعالم، ثم أتبعه بالمنام والابتغاء، وهما من الأمور