البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٨٩
هؤلاء ممن أضلهم اللّه، فلا هادي لهم. وقال الزمخشري : من أضل اللّه : من خذله اللّه ولم يلطف به، لعلمه أنه ممن لا لطف له ممن يقدر على هداية مثله. وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ :
دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ : فقوم وجهك له وعدله غير ملتفت، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه وثباته واهتمامه بأسبابه. فإن من اهتم بالشيء، عقد عليه طرفه وقوم له وجهه مقبلا به عليه، والدين دين الإسلام. وذكر الوجه، لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه. وحَنِيفاً : حال من الضمير في أقم، أو من الوجه، أو من الدين، ومعناه : مائلا عن الأديان المحرفة المنسوخة. فِطْرَتَ اللَّهِ : منصوب على المصدر، كقوله : صِبْغَةَ اللَّهِ «١»، وقيل : منصوب بإضمار فعل تقديره : التزم فطرة اللّه. وقال الزمخشري : الزموا فطرة اللّه، أو عليكم فطرة اللّه. وإنما أضمرت على خطاب الجماعة لقوله : مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، ومنيبين حال من الضمير في الزموا. وقوله : وَأَقِيمُوا، وَلا تَكُونُوا، معطوف على هذا المضمر. انتهى. وقيل : فَأَقِمْ وَجْهَكَ، المراد به : فأقيموا وجوهكم، وليس مخصوصا بالرسول وحده، وكأنه خطاب لمفرد أريد به الجمع، أي : فأقم أيها المخاطب، ثم جمع على المعنى، لأنه لا يراد به مخاطب واحد. فإذا كان هذا، فقوله : مُنِيبِينَ، وَأَقِيمُوا، وَلا تَكُونُوا ملحوظ فيه معنى الجمع. وقول الزمخشري : أو عليكم فطرة اللّه لا يجوز، لأن فيه حذف كلمة الإغراء، ولا يجوز حذفها، لأنه قد حذف الفعل وعوض عليك منه. فلو جاز حذفه لكان إجحافا، إذ فيه حذف العوض والمعوض منه.
والفطرة، قيل : دين الإسلام، والناس مخصوصون بالمؤمنين. وقيل : العهد الذي أخذه اللّه على ذرية آدم حين أخرجهم نسما من ظهره ورجح الحذاق. إنها القابلية التي في الطفل للنظر في مصنوعات اللّه، والاستدلال بها على موجده، فيؤمن به ويتبع شرائعه، لكن قد تعرض له عوارض تصرفه عن ذلك، كتهويد أبويه له، وتنصيرهما، وإغواء شياطين الإنس والجن.
لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ : أي لا تبديل لهذه القابلية من جهة الخالق. وقال مجاهد، وابن جبير، والضحاك، والنخعي، وابن زيد : لا تبديل لدين اللّه، والمعنى : لمعتقدات الأديان، إذ هي متفقة في ذلك. وقال الزمخشري : أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو