البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٠٨
الْمُفْلِحُونَ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ، خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
هذه السورة مكية، قال ابن عباس : إلا ثلاث آيات، أولهنّ : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ. وقال قتادة : إلا آيتين، أوّلهما : وَلَوْ أَنَّ إلى آخر الآيتين، وسبب نزولها أن قريشا سألت عن قصة لقمان مع ابنه، وعن بر والديه، فنزلت. وقيل : نزلت بالمدينة إلا الآيات الثلاثة : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ إلى آخرهنّ، لما نزل وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «١».
وقول اليهود : إن اللّه أنزل التوراة على موسى وخلفها فينا ومعنا، فقال الرسول :
«التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم اللّه»، فنزل : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ.
ومناسبتها لما قبلها أنه قال تعالى : وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ «٢»، فأشار إلى ذلك بقوله : الم، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ وكان في آخر تلك : وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ «٣»، وهنا : وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً، وتلك إشارة إلى البعيد، فاحتمل أن يكون ذلك لبعد غايته وعلو شأنه.
وآياتُ الْكِتابِ : القرآن واللوح المحفوظ. ووصف الكتاب بالحكيم، إما لتضمنه للحكمة، قيل : أو فعيل بمعنى المحكم، وهذا يقل أن يكون فعيل بمعنى مفعل، ومنه عقدت العسل فهو عقيد، أي معقد، ويجوز أن يكون حكيم بمعنى حاكم. وقال الزمخشري : الحكيم : ذو الحكمة أو وصف لصفة اللّه عز وجل على الإسناد المجازي، ويجوز أن يكون الأصل الحكيم قابله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فبانقلابه مرفوعا بعد الجر استكن في الصفة المشبهة. وقرأ الجمهور : هُدىً وَرَحْمَةً، بالنصب على الحال من الآيات، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة، قاله الزمخشري وغيره، ويحتاج إلى نظر. وقرأ حمزة، والأعمش، والزعفراني، وطلحة، وقنبل، من طريق أبي الفضل الواسطي : بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر،
(٢) سورة الروم : ٣٠/ ٥٨.
(٣) سورة الروم : ٣٠/ ٥٨.