البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤١١
ما حمل على اللفظ، ثم على المعنى، ثم على اللفظ، غير هاتين الآيتين. والنحويون يذكرون وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ الآية فقط، ثم على المعنى، ثم على اللفظ، ويستدلون بها على أن هذا الحكم جار في من الموصولة ونظيرها مما لم يثن ولم يجمع من الموصولات.
وتضمنت هذه الآية ذم المشتري من وجوه التولية عن الحكمة، ثم الاستكبار، ثم عدم الالتفات إلى سماعها، كأنه غافل عنها، ثم الإيغال في الإعراض بكون أذنيه كأن فيهما صمما يصده عن السماع. وكَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها : حال من الضمير في مُسْتَكْبِراً، أي مشبها حال من لم يسمعها، لكونه لا يجعل لها بالا ولا يلتفت إليها وكأن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن واجب الحذف. وكَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً : حال من لم يسمعها. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكونا استئنافين. انتهى، يعني الجملتين التشبيهيتين.
ولما ذكر ما وعد به الكفار من العذاب الأليم، ذكر ما وعد به المؤمنين. وقرأ زيد بن علي : خالدون، بالواو والجمهور : بالياء. وانتصب وَعْدَ اللَّهِ على أنه مصدر مؤكد لنفسه، وحَقًّا على المصدر المؤكد لغيره، لأن قوله : لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ، والعامل فيها متغاير، فوعد اللّه منصوب، أي يوعد اللّه وعده، وحقا منصوب بأحق ذلك حقا.
خَلَقَ السَّماواتِ إلى فَأَنْبَتْنا فِيها، تقدم الكلام على ذلك. ومعنى كَرِيمٍ : مدحته بكرم جوهره ونفاسته وحسن منظره، وما تقضي له النفوس بأنه أفضل من غيره حتى استحق الكرم، فيخص لفظ الأزواج ما كان نفيسا مستحسنا من جهة، أو مدحته بإتقان صفته وظهور حسن الرتبة والتحكم للصنع فيه، فيعم جميع الأزواج، وهو الأنواع. هذا خَلْقُ اللَّهِ :
إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته، وبخ بذلك الكفار وأظهر حجته. والخلق بمعنى المخلوق، كقولهم : درهم ضرب الأمير، أي مضروبه. ثم سألهم على جهة التهكم بهم أن يورده.
وأما خلقته آلهتهم لما ذكر مخلوقاته، فكيف عبدوها من دونه؟ ويجوز في ماذا أن تكون كلها موصولة بمعنى الذي، وتكون مفعولا ثانيا لأروني. واستعمال ماذا كلها موصولا قليل، وقد ذكره سيبويه. ويجوز أن تكون ما استفهامية في موضع رفع على الابتداء، وذا موصولة بمعنى الذي، وهو خبر عن ما، والجملة في موضع نصب بأروني، وأروني معلقة عن العمل لفظا لأجل الاستفهام. ثم أضرب عن توبيخهم وتبكيتهم إلى التسجيل عليهم بأنهم في حيرة واضحة لمن يتدبر، لأن من عبد صنما وترك خالقه جدير بأن يكون في حيرة وتيه لا يقلع عنه.


الصفحة التالية
Icon