البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤١٣
سبحانه على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هو العمل بهما، أو عبادة اللّه والشكر له، حيث فسر إيتاء الحكمة بالبعث على الشك. وقال الزجاج : المعنى : وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ لأن يشكر اللّه، فجعلها مصدرية، لا تفسيرية. وحكى سيبويه : كتبت إليه بأن قم. فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ : أي ثواب الشكر لا يحصل إلا للشاكرين، إذ هو تعالى غني عن الشكر، فشكر الشاكر لا ينفعه، وكفر من كفر لا يضره. وحَمِيدٌ : مستحق الحمد لذاته وصفاته.
وَإِذْ قالَ : أي واذكر إذ، وقيل : يحتمل أن يكون التقدير : وآتيناه الحكمة، إذ قال، واختصر لدلالة المتقدم عليه. وابنه بارّ، أي : أو أنعم، أو اشكر، أو شاكر، أقوال.
وَهُوَ يَعِظُهُ : جملة حالية. قيل : كان ابنه وامرأته كافرين، فما زال يعظهما حتى أسلما.
والظاهر أن قوله : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ من كلام لقمان. وقيل : هو خبر من اللّه، منقطع عن كلام لقمان، متصل به في تأكيد المعنى وفي صحيح مسلم ما ظاهره أنه من كلام لقمان. وقرأ البزي : يا بُنَيَّ، بالسكون، ويا بُنَيَّ إِنَّها : بكسر الياء، ويا بُنَيَّ أَقِمِ : بفتحها. وقيل : بالسكون في الأولى والثانية، والكسر في الوسطى وحفص والمفضل عن عاصم : بالفتح في الثلاثة على تقدير يا بنيا، والاجتزاء بالفتحة عن الألف.
وقرأ باقي السبعة : بالكسر في الثلاثة.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ : لما بين لقمان لابنه أن الشرك ظلم ونهاه عنه، كان ذلك حثا على طاعة اللّه، ثم بين أن الطاعة تكون للأبوين، وبين السبب في ذلك، فهو من كلام لقمان مما وصى به ابنه، أخبر اللّه عنه بذلك. وقيل : هو من كلام اللّه، قاله للقمان، أي قلنا له اشكر. وقلنا له : وَوَصَّيْنَا. وقيل : هذه الآية اعتراض بيّن أثناء وصيته للقمان، وفيها تشديد وتوكيد لاتباع الولد والده، وامتثال أمره في طاعة اللّه تعالى. وقال القرطبي : والصحيح أن هذه الآية وآية العنكبوت نزلتا في سعد بن أبي وقاص، وعليه جماعة من المفسرين. ولما خص الأم بالمشقات من الحمل والنفاس والرضاع والتربية، نبه على السبب الموجب للإيصاء، ولذلك جاء
في الحديث الأمر ببرّ الأم ثلاث مرات، ثم ذكر الأب
، فجعل له مرة الربع من المبرة.
وَهْناً عَلى وَهْنٍ، قال ابن عباس : شدة بعد شدة، وخلقا بعد خلق. وقال الضحاك : ضعفا بعد ضعف. وقال قتادة : جهدا على جهد، يعني : ضعف الحمل، وضعف الطلق، وضعف النفاس، وانتصب على هذه الأقوال على الحال. وقيل : وَهْناً