البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤١٥
يكون الضمير في أنها ضمير الفعلة، لا ضمير القصة. قال الزمخشري : فمن نصب يعني مثقال، كان الضمير للهيئة من الإساءة والإحسان، أي كانت مثلا في الصغر والقماءة، كحبة الخردل، فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه، كجوف الصخرة، أو حيث كانت من العالم العلوي أو السفلي.
يَأْتِ بِهَا اللَّهُ، يوم القيامة، فيحاسب عليها. إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ، يتوصل علمه إلى كل خفي. خَبِيرٌ : عالم بكنهه. وعن قتادة : لطيف باستخراجها، خبير بمستقرها. وبدأ له بما يتعلق به أولا، وهو كينونة الشيء. فِي صَخْرَةٍ : وهو ما صلب من الحجر وعسر إخراجه منها، ثم أتبعه بالعالم العلوي، وهو أغرب للسامع، ثم أتبعه بما يكون مقر الأشياء للشاهد، وهو الأرض. وعن ابن عباس والسدي، أن هذه الصخرة هي التي عليها الأرض.
قال ابن عباس : هي تحت الأرضين السبع، يكتب فيها أعمال الفجار. قال ابن عطية :
قيل : أراد الصخرة التي عليها الأرض والحوت والماء، وهي على ظهر ملك. وقيل : هي صخرة في الريح، وهذا كله ضعيف لا يثبت سنده، وإنما معنى الكلام : المبالغة والانتهاء في التفهيم، أي إن قدرته تنال ما يكون في تضاعيف صخرة، وما يكون في السماء والأرض. انتهى. قيل : وخفاء الشيء يعرف بصغره عادة، ويبعده عن الرائي. وبكونه في ظلمة وباحتجابه، ففي صخرة إشارة إلى الحجاب، وفي السموات إشارة إلى البعد، وفي الأرض إشارة إلى الظلمة، فإن جوف الأرض أظلم الأماكن. وفي قوله : يَأْتِ بِهَا اللَّهُ دلالة على العلم والقدرة، كأنه قال : يحيط بها علمه وقدرته.
ولما نهاه أولا عن الشرك، وأخبره ثانيا بعلمه تعالى وباهر قدرته، أمره بما يتوسل به إلى اللّه من الطاعات، فبدأ بأشرفها، وهو الصلاة، حيث يتوجه إليه بها، ثم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بالصبر على ما يصيبه من المحن جميعها، أو على ما يصيبه بسبب الأمر بالمعروف ممن يبعثه عليه، والنهي عن المنكر ممن ينكره عليه، فكثيرا ما يؤذى فاعل ذلك، وهذا إنما يريد به بعد أن يمثل هو في نفسه فيأتي بالمعروف. إن ذلك إشارة إلى ما تقدم مما نهاه عنه وأمره به. والعزم مصدر، فاحتمل أن يراد به المفعول، أي من معزوم الأمور، واحتمل أن يراد به الفاعل، أي عازم الأمور، كقوله : فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ «١». وقال ابن جريج : مما عزمه اللّه وأمر به وقيل : من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة. والظاهر أنه يريد من لازمات الأمور الواجبة، لأن الإشارة