البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٣٢
إلى عظمة الملك وذكر هنا عالم الأرواح والأمر بقوله : يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، والروح من عالم الأمر، كما قال : قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي «١»، وأشار إلى دوامه بلفظ يوهم الزمان.
والمراد دوام النفاد، كما يقال في العرف : طال زمان فلان، والزمان يمتد فيوجد في أزمنة كثيرة. فأشار إلى عظمة الملك بالمكان، وأشار إلى دوامه هنا بالزمان والمكان من خلقه وملكه، والزمان بحكمه وأمره. انتهى. وهو كلام ليس جاريا على فهم العرب. وقرأ الجمهور : مِمَّا تَعُدُّونَ، بتاء الخطاب. وقرأ السملي، وابن وثاب، والأعمش، والحسن : بياء الغيبة، بخلاف عن الحسن. وقرأ جناح بن حبيش : ثم تعرج الملائكة، بزيادة الملائكة، ولعله تفسير منه لسقوطه في سواد المصحف.
ذلِكَ : أي ذلك الموصوف بالخلق والاستواء والتدبير، عالِمُ الْغَيْبِ : والغيب الآخرة، وَالشَّهادَةِ : الدنيا، أو الغيب : ما غاب عن المخلوقين، والشهادة : ما شوهد من الأشياء، قولان. وقرأ زيد بن علي : عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ : بخفض الأوصاف الثلاثة وأبو زيد النحوي : بخفض الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. وقرأ الجمهور : برفع الثلاثة على أنها أخبار لذلك، أو الأول خبر والاثنان وصفان، ووجه الخفض أن يكون ذلك إشارة إلى الأمر، وهو فاعل بيعرج، أي ثم يعرج إليه ذلك، أي الأمر المدبر، ويكون عالم وما بعده بدلا من الضمير في إليه. وفي قراءة ابن زيد يكون ذلك عالم مبتدأ وخبر، والعزيز الرحيم بالخفض بدل من الضمير في إليه. وقرأ الجمهور : خلقه، بفتح اللام، فعلا ماضيا صفة لكل أو لشيء. وقرأ العربيان، وابن كثير : بسكون اللام، والظاهر أنه بدل اشتمال، والمبدل منه كل، أي أحسن خلق كل شيء، فالضمير في خلقه عائد على كل. وقيل :
الضمير في خلقه عائد على اللّه، فيكون انتصابه نصب المصدر المؤكد لمضمون الجملة، كقوله : صِبْغَةَ اللَّهِ «٢»، وهو قول سيبويه، أي خلقه خلقا. ورجح على بدل الاشتمال بأن فيه إضافة المصدر إلى الفاعل، وهو أكثر من إضافته إلى المفعول، وبأنه أبلغ في الامتنان، لأنه إذا قال : أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ، كأن أبلغ من : أحسن خلق كل شيء، لأنه قد يحسن الخلق، وهو المجاز له، ولا يكون الشيء في نفسه حسنا. فإذا قال : أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ، اقتضى أن كل شيء خلقه حسن، بمعنى : أنه وضع كل شيء في موضعه. انتهى.
وقيل : في هذا الوجه، وهو عود الضمير في خلقه على اللّه، يكون بدلا من كل
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٣٨.