البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٥٠
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً، لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً.
هذه السورة مدنية. وتقدم أن نداءه، صلّى اللّه عليه وسلّم : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ «١»، هو على سبيل التشريف والتكرمة والتنويه بمحله وفضيلته، وجاء نداء غيره باسمه، كقوله :
يا آدَمُ «٢»، يا نُوحُ «٣»، يا إِبْراهِيمُ «٤»، يا مُوسى «٥»، يا داوُدُ «٦»، يا عِيسى «٧». وحيث ذكره على سبيل الأخبار عنه بأنه رسوله، صرح باسمه فقال :
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ «٨»، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ «٩»، أعلم أنه رسوله، ولقنهم أن يسموه بذلك. وحيث لم يقصد الإعلام بذلك، جاء اسمه كما جاء في النداء : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ «١٠»، وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ «١١»، النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ «١٢»، وغير ذلك من الآي. وأمره بالتقوى للمتلبس بها، أمر بالديمومة عليها والازدياد منها. والظاهر أنه أمر للنبي، وإذا كان هو مأمورا بذلك، فغيره أولى بالأمر. وقيل : هو خطاب له لفظا، وهو لأمّته.
وروي أنه لما قدم المدينة، وكان يحب إسلام اليهود، فبايعه ناس منهم على النفاق، وكان يلين لهم جانبه، وكانوا يظهرون النصائح في طرق المخادعة، ولحلفه وحرصه على ائتلافهم ربما كان يسمع منهم، فنزلت تحذيرا له منهم وتنبيها على عداوتهم.
وروي أيضا أن أبا سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السلمي قدموا في الموادعة التي كانت بينهم وبينه، وقام عبد اللّه بن أبي، ومعتب بن قشير، والجد بن قيس فقالوا له : ارفض ذكر آلهتنا وقل : إنها تشفع وتنفع، وندعك وربك فشق ذلك عليه وعلى المؤمنين، وهموا بقتلهم، فنزلت.
وناسب أن نهاه عن طاعة الكفار، وهم المتظاهرون به، وعن طاعة المنافقين، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر. فالسببان حاويان الطائفتين، أي :
ولا تطع الكافرين من أهل مكة، والمنافقين من أهل المدينة، فيما طلبوا إليك. وروي أن

_
(١) سورة المائدة : ٥/ ٤١ - ٦٧.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٣٣.
(٣) سورة هود : ١١/ ٣٢.
(٤) سورة هود : ١١/ ٧٦.
(٥) سورة البقرة : ٢/ ٥٥.
(٦) سورة ص : ٣٨/ ٢٦.
(٧) سورة آل عمران : ٣/ ٥٥.
(٨) سورة الفتح : ٤٨/ ٢٩.
(٩) سورة آل عمران : ٣/ ١٤٤.
(١٠) سورة التوبة : ٩/ ١٢٨.
(١١) سورة الفرقان : ٢٥/ ٣٠.
(١٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٦.


الصفحة التالية
Icon